الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } * { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ } [يوسف: 106] أي: وما يؤمن من أكثر أوصاف الإنسانية بطلب الله والتبديل بصفاته، { إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106] في طلب الدنيا وشهواتها وطلب الآخرة ونعيمها، وأيضاً وما أكثر الخلق بالله وطلبه إلا وهم مشركون برؤية الإيمان والطلب أنها منهم لا من الله، فإن من يرى السبب فهو مشرك، ومن يرى المسبب فهو موحد إنكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } في نظر الموحدإِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88].

{ أَفَأَمِنُوۤاْ } [يوسف: 107] أهل الشرك بالأسباب، { أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ } [يوسف: 107] وهي أمر من الله بلا سبب من الأسباب، وفي الحقيقة يشير بالساعة إلى عشق ومحبة من الله بلا سبب من الأسباب، وقيل: العشق عذاب الله، { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [يوسف: 107] له سبب غير الله.

ثم قال: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108] أي: رؤية الأمور من الله لا من الأسباب، وأيضاً: { قُلْ } يا محمد هذه الدعوة إلى الله فضلاً عن سبيله، { سَبِيلِيۤ } وسنتي من بين سائر الأنبياء والرسل، { أَدْعُوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ } [يوسف: 108] لا إلى سواه، { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } [يوسف: 108] أي: على معرفة بالسلوك المسلوك إليه، { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [يوسف: 108] أي: هذه الدعوة مخصوصة لي ولمن اتبعني من أمتي مستسلماً لي عند تسليك الوصول، { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } [يوسف: 108] أي: تنزيهاً لله على شركة الأسباب، { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108] في الطلب والمخلصين إلى الأسباب.

وقوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [يوسف: 109] إشارة إلى أن الرسالة لا يستحقها إلا الرجال البالغون المستعدون للوحي من أهل القرى بالملكوت والأرواح، لا من أهل المدائن في ملك الأجساد، ولهذا قبل الرجال من القرى، { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } [يوسف: 109] أهل مدائن الأجساد المطمئنون إلى الدنيا، { فِي ٱلأَرْضِ } [يوسف: 109] في أرض البشرية على قدمي الشريعة والطريقة؛ ليخرجوا من ظلمة الدنيا إلى نور الآخرة، { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [يوسف: 109] إذ رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وليشاهدوا حقيقة قوله: { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون } [يوسف: 109] لتعرضوا عن الزكاة إلى الدنيا الدنية، وتقبلوا على الآخرة الشريعة في طلب والحقيقة.

وفي قوله: { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } [يوسف: 110] إشارة إلى أن في إبطاء النصر ابتلاء للرسل والأمم، فأمَّا الرسل فاستيأسوا وظنوا أنهم وذلك ليس من شأنهم، وأمَّا الأمم فكذبوا الرسل وليس هذا من حقهم، ثم يشير بقوله: { جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } [يوسف: 110] إلى أن النصر كان للرسل منجياً عن الابتلاء، وللأمم المكذبة مهلكة بالعذاب، ثم أكد هذا المعنى بقوله: { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [يوسف: 110] أي: المكذبين؛ والمعنى: ويرد بأسنا عن القوم المطيعين.