الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } * { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }

ثم أنطقه بسوابق إحسانه إليه وسوابغ إنعامه عليه حتى قال: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ } [يوسف: 101] ملك الوصول والوصال { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } وهو مراتب النبوة ونهاية كمالية الإنسان به، { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [يوسف: 101] أي: فاطر السماوات عالم الأرواح، وفاطر أرض البشرية؛ لتخرجني من فطر الوجود المجازي، { أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } [يوسف: 101] أي: أنت متولي أمري لتخلصني من حجب الدنيا والآخرة، { تَوَفَّنِى مُسْلِماً } أي: أمتني عني بك مستسلماً، { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [يوسف: 101] للبقاء بك بأن تفنيني عني وتبقيني ببقائك الأزلي الأبدي.

قوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } [يوسف: 102] يشير إلى الذي فهمناك من مناسبة قصة يوسف وإخوته مع أهل السلوك السائرين إلى الله من أخبار الغيب الذي غابت عن أرباب علم الظاهر، ولا يعمله إلا أهل الغيب وهم الوالجون ملكوت السماوات والأرض، الغواصون في بحر بطن القرآن، المستخرجون درر معانيه من أصداف ألفاظه وكلماته، { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } [يوسف: 102] القصة وحقائق معانيها المودعة فيها المستجمعة قواعد سلوك السائرين إلى الله من أخبار الغيبية.

{ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } [يوسف: 102] في الكيد والمكر بيوسف، ولكن كنت بالمعنى حاضراً { إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } يعني: إخوة يوسف القلب وهم أوصاف البشرية؛ ليكيدوا ويمكروا بيوسف القلب ويلقوه في جب البشرية وأسفل الطبيعة وسجن الدنيا، { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } [يوسف: 102] أي: طبعهم المكر والكيد.

{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } [يوسف: 103] أي: وما أكثر الصفات الناسوتية، { وَلَوْ حَرَصْتَ } [يوسف: 103] يا محمد اللاهوتية، { بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103] مصدقيك فيما تدعوهم إليه من مقامات القرب والكمالات والتوحيد والمعرفة.

{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [يوسف: 104] يشير إلى أن اللاهوتية غير محتاجة إلى الناسوتية، وإن دعتها إلى الاستكمال؛ لأنها كاملة في ذاتها مكملة لغيرها، { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [يوسف: 104] أي: دعوتها عامة لمن تعلق بالعالمين إلى رب العالمين، { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [يوسف: 105] أي: وكم من آية دالة إلى الحق في سماوات القلوب وأرض النفوس، { يَمُرُّونَ } [يوسف: 105] من أوصاف الإنسانية، { عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105] لإقبالهم على الدنيا وشهواتها.