الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } * { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }

{ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ } [هود: 33] فيه إشارة بهم إلى أن وقوع العذاب بمشيئة الله لا بالأعمال الموجبة للوقوع، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [هود: 33] أي: بمعجزي الله أن يأتيكم العذاب في الدنيا والآخرة، { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ } [هود: 34] في الأزل، { أَن يُغْوِيَكُمْ } [هود: 34] إشارة إلى أن نصح الأنبياء ودعوتهم لا يفيد الهداية مع إرادة الله الغواية.

{ هُوَ رَبُّكُمْ } [هود: 34] أي: استعداد،مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } [الانفطار: 8] أي: صفة من السعادة التي أراد بكم ربكم، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [هود: 34] على طريق السعادة والشقاوة كما شاء في الأزل، { أَمْ يَقُولُونَ } [هود: 35] النفس والهوى والطبيعة، { ٱفْتَرَاهُ } [هود: 35] الروح، هذه المعاني من عنده.

{ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } [هود: 35] أي: إجرام افترائي، { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [هود: 35] من التكذيب، وفيه إشارة إلى أن ذنوب النفس لا تنافي صفاء الروح ولا يكدرها ما كان الروح متبرئاً من ذنوب النفس متأسفاً على معاملات النفس وتتبع هواها.

ثم أخبر عن أهل الإيمان وأهل الخذلان بقوله تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ } [هود: 36] أي: نوح الروح، { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ } [هود: 36] وهم القلب وصفاته، والسر والنفس وصفاتها، والبدن وجوارحه، { إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [هود: 36] من خواص العباد وهم: القلب وصفاته، والسر وصفات النفس والبدن وجوارحه، فأمَّا النفس فإنها لا تؤمن أبداً اللهم إلا نفوس الأنبياء - عليهم السلام - وخواص الأولياء، فإنها تسلم أحياناً دون الإيمان وحال النفوس كأحوال الأعراب كقوله تعالى:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] فإن معدن الإيمان القلوب ومظهر الإسلام النفوس؛ لأن الإسلام الحقيقي الذي قال تعالى فيه:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الزمر: 22] وهو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الإيمان، وأمَّا إسلام الأعراب إذ قال تعالى لهم:وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] لم يكن ضوء منعكساً من مرآة القلب المنور، ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع في كلمة التوحيد والشهادتين والأعمال الصالحة المشروعة عند إتيانها بالصدق.

فاعلم أن إيمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عناية القلوب القابلة للفيض الإلهي بلا واسطة، وإيمان العوام يدخل في قلوبهم من طريق الإقرار باللسان والعمل بالأركان، { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [هود: 36] نفوس السعداء من أعمال الشر، فإنها لهم كالجسد للإكسير ينقلب ذهباً مقبولاً عند طرح الروح عليها، كذلك تنقلب أعمال الشر خيراً عند طرح التوبة عليها.

كما قال تعالى:

السابقالتالي
2