الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

{ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } [هود: 20] أي: لم يعجزوني بأن أهلكهم في الدنيا؛ لئلا يبقوا في الأرض متمتعين بها.

{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } ينتفعون بهم في الدنيا والآخرة انتفاع النجاة، بل { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [هود: 20] عذاب الضلال والإضلال، فإنهم ضلوا عن سبيل الله بطلب الدنيا، وأضلوا أهل الإرادة عن طريق الحق باستتباعهم.

{ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } [هود: 20] ليسمعوا نصح الله ورسوله، ونصح الناصحين، { وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } [هود: 20] أي: ما كانوا لهم بصر يبصرون بها الحق، ولا سمع يسمعون به الحق عن أهل الحق، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [هود: 21] بأنهم باعوا الدين بالدنيا، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ورضا الله، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [هود: 21] أي: ما كان لافترائهم حاصل إلا الندامة والغرامة، { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } [هود: 22] لأنهم مؤاخذون بخسرانهم وخسران اتباعهم بحسبانهم أنهم يحسنون صنعاً كقوله تعالى:قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } [الكهف: 103].

ثم أخبر عن مثل أهل الهداية وأهل الغواية بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } [هود: 23]، { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: آمنوا بطلب الله، وطلبوه على أقدام معاملات صالحات للطلب المفيدات للوصول إلى المطلوب، { وَأَخْبَتُوۤاْ } أي: أنابوا، { إِلَىٰ رَبِّهِمْ } بالكلية، ولم يطلبوا منه إلا هو واطمأنوا به.

{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ } [هود: 23] أي: أرباب الجنة كما يقال لرب الدار: صاحب الدار وهم مطلوبو الجنة لا طلابها، وإنما هم طلاب الله، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [هود: 23] طلاباً عن الضالين المضلين، والطالبين المجتبين، { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ } [هود: 24]. ثم أخبر والأعمى الذي لا يبصر الحق حقاً والباطل باطلاً، بل يبصر الباطل حقاً والحق باطلاً، والأصم لا يسمع الحق حقاً والباطل باطلاً، بل يسمع الباطل حقاً والحق باطلاً، { وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } [هود: 24] البصير الذي يرى الحق حقاً ويتبعه، ويرى الباطل باطلاً ويجتبيه، والسميع الذي يسمع الحق حقاً ويعمل به والباطل باطلاً ولا يعمل به، وأيضاً البصير من كان الله بصره فبه يبصره، والسميع من كان الله سمعه فيسمع به، ومن أبصر بالله لا يبصر غير الله، ومن سمع بالله لا يسمع إلا من الله، { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [هود: 24] أي: أفلا تتذكرون يوم الميثاق إن كنتم تسمعون خطاب:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] بالله من الله تصبرونه به وتعرفونه به وتحبونه به.