الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }

ثم أخبر عن المؤمن وحاله والكافر ومآله بقوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } [هود: 17] أي: على كشف وبيان من تجلي صفة من صفات ربه، { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [هود: 17] أي: ويتبع الكشف شاهد من شواهد الحق، فإن الكشف يكون مع الشهود ويكون بلا شهود والمعنى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } [هود: 17] على بينة من كشوف الحق وشواهده.

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } من العقل والنقل مع احتمال السهو والغلط فيها، وحمل الآية في الظاهر على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه أولى وأحرى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان على بينة من ربه، وكان أبو بكر شاهداً يتلوه بالإيمان والتصديق يدل عليه قوله تعالى:وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } [الزمر: 33] يعني: النبي صلى الله عليه وسلم،وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] يعني: أبا بكر - رضي الله وأرضاه - وهو الذي كان تاليه وثانيه في الغار، وتاليه في الإمامة في مرضه صلى الله عليه وسلم حين قال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " ، وكان تاليه بالخلافة بإجماع الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - حيث قال صلى الله عليه وسلم لإبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: " أنتما مني بمنزلة السمع والبصر ".

{ وَمِن قَبْلِهِ } [هود: 17] أي: قبل أبي بكر رضي الله عنه وشهادته بالنبوة كان، { كِتَابُ مُوسَىٰ } [هود: 17] وهو التوراة، { إِمَاماً } [هود: 17] يأتم به قومه بعده، وفي أيام محمد صلى الله عليه وسلم كما ائتم به عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما من أحبار اليهود، ولأنه كان فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة { وَرَحْمَةً } [هود: 17] أي: الكتاب كان رحمة لأهل الرحمة، وهم الذين يؤمنون بالكتاب وبما فيه كما قال: { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [هود: 17] يعني: أهل الرحمة { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } [هود: 17] أي: بالكتاب وبما فيه { مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } [هود: 17] أي: حزب أهل الكتاب وحزب الكفار وحزب المنافقين، وإن زعموا أنهم مسلمون؛ لأن الإسلام لا يكون بدعوى اللسان فحسب، وإنما يحتاج مع دعوى اللسان إلى صدق الجنان وعمل الأركان.

{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } [هود: 17] أي: من أن يكون الكافر بك وبما جئت به من أهل النار؛ لأن الإيمان بك إيمان بي، وإن طاعتك طاعتي، فلا يخطرن ببالك أني من سعة رحمتي لعلي أرحم من كفر بك كائناً من كان، فإني لا أرحمهم لأنهم مظاهر قهري { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } [هود: 17] أي: يكون له مظاهر صفات القهر كما يكون له مظاهر صفات اللطف { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [هود: 17] بصفات لطفه لرجائهم المذموم ولغرورهم المشئوم بكرم الله، فإنه غرهم بالله وكرمه، الشيطان الغَرور.

السابقالتالي
2