الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } * { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ } [هود: 108] في جوار الحق وقربه، { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ } [هود: 108] سماوات الأرواح والقلوب، { وَٱلأَرْضُ } [هود: 108] أرض النفوس والبشرية به يشير إلى أن الأرواح والقلوب والنفوس باقيات إلى الأبد.

{ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [هود: 108] من السعداء؛ وذلك لأن أهل السعادة على ضربين: سعيد وأسعد، فالسعيد من يبقى في الجنة ودرجاتها وغرفاتها العليين بحب العبادة والعبودية، والأسعد من يدخل الجنة، ويعبر عن درجاتها إلى مقامات القربة بحسب المعرفة والتقوى والمحبة كقوله تعالى:إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 54-55].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " " إن أهل الجنة ليرون أهل العليين كما يرى أحدكم الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمرو منهم في أنعم مكان " فمن كان من أهل الجنة وأهل العليين فلهم خلود في الجنة، ومن كان في مقام مقعد الصدق فهو في أنعم مقام من الجنة فلهم الخروج من الجنة بجذبات العناية إلى عالم الوحدة " والسر في هذا أن السالك يسلك بقدم المعاملات إلى أعلى مقام الروحانية من حضيض البشرية وهو بعد في مقام الاثنينية وهو سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، فلا عبور عن هذا المقام للملك المقرب ولا للنبي المرسل إلا برفرف جذبة العناية فإنها توازى عمل الثقلين وبها يصل العبد إلى عالم الوحدة فافهم جدّاً.

فما أبقى هناك الدخول والخروج والاستثناء بقوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } راجع إلى هذا المقام ولهذا قال: { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود: 108]؛ لأنه لا انقطاع له ولا تغيير فيه.

{ فَلاَ تَكُ } [هود: 109] يا محمد، { فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ } [هود: 109] يعني: أهل الدنيا فإنهم يعبدون الهوى، وبالهوى يعبدون مَا يَعْبُدُونَ من دون الله؛ لأنهم أهل التقليد لا أهل التحقيق.

{ مَا يَعْبُدُونَ } [هود: 109] الهوى، { إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم } [هود: 109]، { مِّن قَبْلُ } بالطبع، { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [هود: 109] الذي قدرنا لهم في قسمة الأزل من السعادة والشقاوة والقرب والبعد واللطف والعنف، { غَيْرَ مَنقُوصٍ } [هود: 109] مما قسمناه لهم مثقال ذرة، ولو اجتمعت الجن والإنس على أن ينقصوا منها شيئاً لم يقدروا.

ثم أخبر عن اختلاف طبائع الإنسان من أهل العناية والخذلان بقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } [هود: 110] إلى قوله: { لاَ تُنصَرُونَ } [هود: 113] قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } يشير به إلى أن كتاب الله هو محل النفوس وهو الصراط المستقيم إلى الله تعالى، والنفوس مختلفة فمنها قابلة للاستقامة على الصراط، ومنها غير قابلة لها، فالمؤمن بالكتاب، والفاعل به هو قابل للاستقامة، والكافر به هو غير قابل للاستقامة، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } [هود: 110] في الأزل، { مِن رَّبِّكَ } [هود: 110] لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر، وتأخيرهما لاستكمال السعادة والشقاوة لنفسها ولغيرها في الأزل، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [هود: 110] بالعذاب والهلاك يعني: بين أهل السعادة والشقاوة.

السابقالتالي
2