الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

ثم أخبر عن إحاطة علمه بجميع الأشياء من الأموات والأحياء لقوله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6] ونشأها لتكفل أيام تفضلاً ورحمة، وإنا إلى لطف الوصول تحقيقاً لوصول وحملاً عن التوكيل فيه إلى قوله: { يَسْتَهْزِءُونَ } [هود: 8].

وقوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6] يشير إلى أن كل حيوان خلقه الله تعالى صفة مخصوصة وبجنسه، ولكل جنس منه غذاء مخصوص ذلك الجنس، فعلى ذمة كرم الله أنه كما خلق أجسادهم يخلق غذائهم ملائماً لأجسادهم ويرزقهم دهم ويرزقهم منه ما يصلح لكل جنس من الحيوان أو يعلم، { مُسْتَقَرَّهَا } [هود: 6] في العدم، ويعلم أنه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها.

ويعلم { وَمُسْتَوْدَعَهَا } [هود: 6] الذي تؤل إليه عند استكمال صورتها ومعناها المستودع فيها، وللإنسان خاصة يعلم مستقر روحه في عالم الأرواح أكان في الصف الأول، أو في الثاني، أو في الثالث، أو في الرابع، فإنه جاء في معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " إن الأرواح كانت في أربعة صفوف:

كان في الصف الأول: أرواح الأنبياء وأرواح خواص الأولياء.

وفي الصف الثاني: أرواح الأولياء وأرواح خواص المؤمنين.

وفي الصف الثالث: أرواح المؤمنين والمسلمين.

وفي الصف الرابع: أرواح الكفار والمنافقين، ويعلم مستودع روحه عنه استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران، ودرجات الجنات إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6] أي: عنده في أم الكتاب التي لا تعبر منه من المحو والإثبات.

ثم أخبر عن الإنسان من بين سائر المخلوقات، فإن خلق أصناف المكونات كانت تبعاً لوجوده وسبباً لاستكماله في السعادة والشقاوة، فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [هود: 7] سماوات الأرواح والملكوت { وَٱلأَرْضَ } [هود: 7] أرض الأجسام والأجساد؛ معناه: خلق السماوات والأرض لحكمة بالغة وهي أن يجعلهما مساكن لعباده، وينعمهم بأنواع النعم، ويكلفهم بالأمر والنهي عن المنكر، وأطاع التائب بالجنة ومن دون ذلك بالنار، { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [هود: 7] في ستة أصناف: جماد ومعدن ونبات وحيوان وإنسان وأرواح، ولكل صنف منها أنواع يطول شرحها.

{ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } [هود: 7] أي: خلق السماوات والأرض لأنه لم يكن تحت العرش سوى الماء، وكان ذلك الماء من الريح، { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7] يعني: هذه الأصناف من المخلوقات مقتضيات لوجود الإنسان وتربيته ومعرفة نفسه ومعرفة خالقه وسعادته وشقاوته، فإن العالم بما فيه محل الابتلاء ومحل السعد أو الأشقياء، وإن الابتلاء على قسمين:

قسم للسعداء: وهو بلاء حسن وذلك أن السعيد لا يجعل المكونات مطلبه ومقصده الأصلي بل يجعل ذلك حضرة المولى والرفيق الأعلى، ويجعل ما سوى المولى بإذن مولاه وأمره ونهيه وسيلة إلى القربات وتحصيل الكمالات، فهو أحسن عملاً، وقسم للأشقياء: وهو بلاء سيء وذلك أن الشقي يجعل المكونات مطلبه ومقصده الأصلي ويتقيد بشهواتها ولذاتها، ولم يتخلص من نار الحرص عليها والحسرة على فواتها، ويجعل ما أنعم الله عليه من الطاعات والعلوم التي هي ذريعة إلى الدرجات والقربات وسيلة إلى نيل مقاصده الفانية واستيفاء شهواته النفسانية فهو أسوء عمل.

السابقالتالي
2 3