الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [هود: 1] إلى قوله: { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5].

فقوله: { بِسمِ ٱلله } يشير إلى: الذات، { الرَّحْمٰنِ } يشير إلى: صفة الجلال، { الرَّحِيـمِ } يشير إلى صفة الجمال، والمعنى: أن هاتين الصفتين قائمتان بذاته جل جلاله، وباقي الأسماء مشتملة على هاتين الصفتين وهما من صفات القهر واللطف، قوله: { الۤر } يشير بالألف: إلى الله، وباللام: إلى جبريل، وبالراء: إلى الرسول؛ يعني: ما أنزل الله مع جبريل إلى الرسول، { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } يعني: القرآن كتاب أحكمت بالحكم آياته، كقوله تعالى:وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [البقرة: 151] فالكتاب: هو القرآن، والحكمة: هي الحقائق والمعاني والأسرار التي أدرجت في آياته، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي: بينت لقلب العارفين تلك الحقائق والحكم.

{ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ } [هود: 1] أودع فيها بالحكمة البالغة التي لا يقدر غيره أبدّاً عليها فيها، وهذا سر من أسرار إعجاز القرآن، { خَبِيرٍ } [هود: 1] على تعليمها من لدنه لمن يشاء من عباده كقوله تعالى:فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف: 65] يشير إلى أن القرآن ظهراً يطلع عليه أهل اللغة، وبطناً لا يطلع عليه إلا أرباب القلوب الذين أكرمهم الله بالعلم اللدني ورأس الحكمة، وسرها أن يقول: يا محمد لأمتك أمرتم { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } [هود: 2] أي: لا تعبدوا الشيطان ولا الدنيا ولا الهوى ولا ما سوى الله، { إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ } [هود: 2] أنذركم بالقطيعة من الله تعالى أن تعبدوا أو تطيعوا وتحبوا غيره، وعذاب العبد في الجحيم، { وَبَشِيرٌ } [هود: 2] أبشركم أن تعبدوه وتطيعوه وتحبوه بالوصول ونعيم الوصال في دار الجلال.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصاً بالدعوة إلى الله من بين الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - يدل عليه قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } [الأحزاب: 45-46].

فقوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يشير إلى ألاَّ تطلبوا غير الله، ثم قال: { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } [هود: 3] فيما فرطتم من أيام عمرك في طلب غير الله، وترك طلبه، وتحصيل الحجب، وإبطال الاستعداد الفطري ليكون الاستغفار وتزكية لنفوسكم وتصفية لقلوبكم، { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } [هود: 3] أي: ارجعوا بقدم السلوك إلى الله؛ لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار وهي قوله: { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } [هود: 3] وهو الترقي في المقامات من السفليات إلى العلويات، ومن العلويات إلى حضرة العلي الكبير، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [هود: 3] وهو انقضاء مقامات السلوك، وابتداء درجات الوصول، { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ } [هود: 3] ذي صدق واجتهاد في الطلب، { فَضْلَهُ } [هود: 3] في درجات الوصول، فإن المشاهدات بقدر المجاهدات.

السابقالتالي
2