الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

ثم أخبر عن حال الدنيا وحال أهلها بقوله تعالى: { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [يونس: 24] قوله: { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } مثل ضربه الله تعالى للحياة الدنيوية الفانية بماء هو الفيض الروحاني أنزل من سماء القلب إلى الأرض البشرية، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } [يونس: 24] بذلك الفيض، { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [يونس: 24] أي: الصفات المتولدة من أرض البشرية، { مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ } [يونس: 24] أي: مما ينفع الناس من الأخلاق الحميدة الإنسانية، { وَٱلأَنْعَامُ } [يونس: 24] أي: الصفات الذميمة البهيمية والسبعية التي يصير البشر بها كالأنعام بل هم أضل، { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ } [يونس: 24] أرض النفس.

{ زُخْرُفَهَا } [يونس: 24] أي: زينتها من تلك الأخلاق والوقائع والكشوف الروحانية والشواهد القلبية، { وَٱزَّيَّنَتْ } [يونس: 24] أي: تزينت النفس بها، { وَظَنَّ أَهْلُهَآ } [يونس: 24] أي: أصحاب النفس، { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } [يونس: 24] أي: مالكون لها؛ يعني: يحسبون ويغيرون إن تلك الأحوال والوقائع صارت لهم مقاماً، { أَتَاهَآ أَمْرُنَا } [يونس: 24] حكمنا الأزلية، { لَيْلاً } [يونس: 24] أي: عند استيلاء ظلمات النفس وغلباتها.

{ أَوْ نَهَاراً } [يونس: 24] يعني: أو عند بقاء ضوء الفيض الروحاني، ولكنه بامتزاج القوة الخيالية والوهمية به وقع في ورطة اعتقاد سبق كالفلاسفة والطبائعية والحلولية والإباحية.

{ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } [يونس: 24] أي: جعلنا تلك الكشوف والأحوال الدالة على القبول مقلوعة مستأصلة، { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24] أي: كأن لم تكن النفس بها زينة فيما مضى، { كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [يونس: 24] أي: كما شرحنا في هذا المثال الأحوال الدنيا، وظهور زخارفها، وغرور أهلها بها، وفساد حالها في عاقبة أمرها، كذلك نبين دلالة الطريق إلى الله، ونشرح إشارات الفترات والآفات في طريق السائرين إلى الله، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [يونس: 24] في عزة هذا الشأن وعظم ثناؤه وصعوبة قطع مفاوزه وشدة اقتحام عقباته بلا دليل مرشد وهادٍ مطيب، ثم يتمسكون بأذيال المشايخ الكبار، أو يتثبتون بهممهم العليا؛ لينجوا بهم عن هذه المهالك ويسلكوا هذه المسالك.

ثم أخبر عن المفكر السالك والمتكبر الهالك بقوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25] إلى قوله: { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [يونس: 27] { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } يدعو أزلاً وأبداً عباده إلى دار السلام وهي العدم صورة وظاهراً، وعلم الله وصفته؛ يعني: وحقيقته.

وإنما سمي العدم والعلم دار السلام؛ لأن العدم كان داراً قد سلم المعدوم فيها من آفة الحجب الروحانية والجسمانية والعلم دار قد سلم المعلوم فيها من آفة الإثنينية والشركة في الوجود وهي دار الوحدانية؛ وأيضاً لأن السلام هو الله تعالى، والعلم صفته القائمة بذاته فالله تعالى بفضله وكرمه يدعو عباده أزلاً من العدم إلى الوجود ومن العلم وهو الصفة إلى الفعل وهو الخلق ويدعوهم أبداً من الوجود إلى العدم، ومن الفعل إلى العلم فدعاهم من العلم إلى الوجود بالنفخة، وهي قوله تعالى:

السابقالتالي
2