الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [يونس: 20] أي: هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم معجزة ظاهرة نشاهدها، { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } [يونس: 20] يشير إلى معنيين:

أحدهما: إن الغيب هو عالم الملكوت الذي يتنزل منه الآيات، ويتظهر منه للمعجزات بإنزال الله تعالى وإظهاره فهو لله وبحكمه ينزل الآيات منه متى شاء كما شاء، { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } [يونس: 20] فإنه ينزلها، { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } [يونس: 20] أي: لينزلها.

والثاني: إن الغيب هو عالم الغيب فهو الله وهو الذي قدر الأشياء بحكمته ومشيئته، فإن اقتضت الحكمة والمشيئة الأزلية بإنزال آية من آياته وأوصاف ملتمسكم فإنه سينزل { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لإنزالها.

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } [يونس: 21] أي: أذقناهم دون توبة وإنابة، أو صدق طلب الوصول إلى بعض المقامات، أو ذوق كشف وشهود من بعد ضر، { مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ } [يونس: 21] وهو الفسق والفجور والأخلاق وحجب الأوصاف البشرية وصفات الروحانية، { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } [يونس: 21] بإظهارها مع غير أهلها بشرف النفس وطلب الجاه والقبول عند الخلق واستتباعهم والرئاسة عليهم وجذب المنافع منهم، { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } [يونس: 21] في إيصال مجازاة مكرهم إليهم باستدراجهم عن تلك المقامات والكرامات إلى دركات البعد وتراكم الحجب من حيث لا يعلمون، { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } [يونس: 21] أي: غير خافٍ علينا قدر مراتب مكرهم فيجازيهم على حسب ما تمكرون.

ثم أخبر عن حال الخلق ومالهم بقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [يونس: 22] الآيتين: هو الذين يسيركم في بر البشرية وبحر الروحانية، وأيضاً في بر العبودية وبحر الربوبية، { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } [يونس: 22] جذبات العناية، { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [يونس: 22] بهبوب نسيمات رياح شهود الجمال، { وَفَرِحُواْ بِهَا } [يونس: 22] فرح الوصول.

{ جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } [يونس: 22] أي: ثم هبت نكباً تجلى صفات الجلال، { وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ } [يونس: 22] البلايا والمحن عند التلاطم والتراكم، { مِن كُلِّ مَكَانٍ } [يونس: 22] من أماكن النعم ومكان النقم، { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [يونس: 22]؛ أي: تحقق لهم أنهم وقفوا في ورطة الهلاك بالنعم والنقم، { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } أي: رجعوا إليه وما التفتوا إلى النعم استغراقاً بالنقم، وما وهنوا لما أصابهم من النقم في طلب المنتقم وكان دعاؤهم بالله لله.

{ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [يونس: 22] بالتبرؤ عما سواه، والتولي إلى مولاهم فقالوا: مخلصين عن الوجود معتصمين بالجود، { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ } [يونس: 22] من هذه البلايا والمحن والركون إليها، { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [يونس: 22] لنعمة وجدان وجود النعم بالنقم، { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ } [يونس: 23] من البلايا والمحن بالمعبود عن نعمها والصبر على نقمها، { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [يونس: 23] لما وصلوا بجذبات الحق إلى شهود الجمال، واستغراق لحجج بحر الجلال تداركتهم عواطف العزة والكبرياء

السابقالتالي
2