الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

ثم أخبر عن اختلاف الفريقين في الطريق بقوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } [يونس: 104] إلى قوله: { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [يونس: 107] { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يشير إلى أن الخطاب مع محمد الروح، والناس عبارة عن النفس الناسية وصفاتها؛ فالمعنى: قل يا روح للنفس وصفاتها، إن كنتم في شأن من ديني الذي هو عبادة الله وطاعته ومحبته وطلبه؛ لأن دينكم عبادة الهوى والدنيا وطاعتها ومحبتها وتظنون أن غيركم على دينكم.

{ فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [يونس: 104] من الهوى والشيطان والدنيا وشهواتها، { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } [يونس: 104] يميتكم ويفنيكم يعني: وفاة النفس وصفاتها وفنائها متضمنة في عبودية الله ومحبته وطلبه، وترك طاعة النفس، وعبادة الهوى طلب الدنيا، { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 104] بلقاء الله والوصول إليه.

{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } [يونس: 105] أي: استقم في توجهك لله وطلبه، { حَنِيفاً } [يونس: 105] أي: طاهراً من لون الالتفات إلى ما سواه مائلاً إليه { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يونس: 105] يعني: النفس وصفاتها أنها تعبد غير الله، وإن حملنا الآية على ظاهرها في حق النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى أنه كان مخاطباً عند الفطرة { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } حنيفاً إلى الله مخلصاً.

{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يونس: 105] من طالبي الدنيا وعابدي الهوى في طلب الله تعالى، فكان كما أمر بقوله تعالى: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 104] يعني: ولا أكون من المشركين.

{ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } [يونس: 106] في الدنيا والآخرة منهما، فإن النفع والضر إلى النافع والضار لا إلى الدنيا والآخرة ونعمتهما ونقمتهما، { فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 106] الذين يضعون النفع والضر في غير موضعهما.

ثم قال تأكيداً لهذا المعنى: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } [يونس: 107] لأنه لا يدفع الضر إلا الضار، { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [يونس: 107] إلا المتفضل به فله النفع والضر والخير والشر، { يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [يونس: 107] بقدر استحقاقهم على حسب استعدادهم، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } [يونس: 107] يستر بنور وجهه ظلمة وجود الصديقين، { ٱلرَّحِيمُ } [يونس: 107] بتقرب برحمته إلى الطالبين الفارقين.