الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

ثم قال سبحانه: { ٱلأَعْرَابُ } أي: أهل الوبر المترددون في البوادي، المنهمكون في الغي والضلال والعتو والفساد { أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } من أهل المدر المستأنسين مع العقلاء، المستفيدين منهم { وَ } لشدة شكيمة أولئك الأعراب وجهلهم، وعدم قابليتهم { أَجْدَرُ } اي: أحق أليق { أَلاَّ يَعْلَمُواْ } أي: ألا يعلموا { حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المدبر المصلح لأحوال عباده { عَلَىٰ رَسُولِهِ } النائب عنه، المتكلف لإرشاد عباده بإقامة حدوده المنزلة من الأوامر والنواهي المستلزمة؛ لتأديبهم في معاشهم ومعادهم؛ إذ هم في غاية البعد عن الهداية والصلاح وتحمل التكاليف الإلهية { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائر عباده { عَلِيمٌ } باستعداداتهم الكامنة فيهم { حَكِيمٌ } [التوبة: 97] في إلزام التكليف عليهم.

{ وَمِنَ } منافقي { ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ } أي: بعد ويحسب { مَا يُنفِقُ } بأمر الله في سبيله { مَغْرَماً } أي: غرامةً وخسراناً؛ لعدم إيمانه واعتقاده بترتب الثواب عليه، بل إنما ينفق رياءً وتقيةً { وَ } من خباثة باطنه { يَتَرَبَّصُ } أي: يترقب وينتظر { بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي: نوائب الزمان الدائرة عليكم؛ لينقلب الأمر ويتحول الحال، ويخلص من الإنفاق بالنفاق، بل يدور { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } على عكس مرامهم دائماً متجدداً، مستمراً { وَٱللَّهُ } الرقيب عليهم { سَمِيعٌ } لمناجاتهم { عَلِيمٌ } [التوبة: 98] بنياتهم وحاجاتهم تدبر عليهم ما يتربصون بكم من الدوائر.

{ وَمِنَ } مخلصي { ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } أي: يوقن ويذعن بتوحيده { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي: يصدق باليوم الآخر المعد لجزاء الأعمال، وترتب المثوبات بالقربات والصدقات { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } في سبيل الله { قُرُبَاتٍ } ونيل مثوبات ورفع درجات { عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } أي: بسبب استغفاره ودعائه له { أَلاۤ إِنَّهَا } أي: ما يتصدقون بها أولئك المؤمنون، المخلصون، المتقربون { قُرْبَةٌ لَّهُمْ } وسبب وصولهم إليه { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ } الموفق له، الرقيب عليهم { فِي } سعة { رَحْمَتِهِ } وجوده بعد انقضاء النشأة الأولى { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوالهم { غَفُورٌ } لما صدر عنه من المعاصي قبل إيمانهم { رَّحِيمٌ } [التوبة: 99] لهم، يقبل منهم بعد إيمانهم وإخلاصهم ما يتقربون به لمرضاته.

{ وَٱلسَّابِقُونَ } في الإيمان، المبادرون إلى التصديق وقبول الأحكام { ٱلأَوَّلُونَ } الأقدمون بمتابعة الرسول { مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ } الذين هاجروا من مألوفات نفوسهم ومتشهيات طباعهم إلى الفناء في الله { وَٱلأَنْصَارِ } الأبرار الذين سلكوا نحو الحق بالرياضات المجاهدات الشاقة المزيحة لدرن التعلقات ورين الإضافات، المانعة من التوجه الحقيقي.

{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم } واقتفوا أثرهم من أهل الطلب والإرادة { بِإِحْسَانٍ } أي: بلا تمايل إلى الرياء والسمعة والعجب، أولئك المبرورون، المقبولون { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } لتحققهم بمرتبة الإخلاص والتسليم { وَرَضُواْ عَنْهُ } لإصالهم إلى مقر التوحيد وفضاء الفناء المثمر للبقاء الأبدي والحياة السرمدية { وَأَعَدَّ لَهُمْ } سبحانه في حوزة حمايته وروضة بقائه { جَنَّاتٍ } منتزهات { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ } من العلوم والمعارف { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } لا يتحولون عنها أصلاً { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 100] واللطف الجسيم لأهل العناية من أرباب الولاية والمحبة، المنخلعين عن جلباب ناسوتهم مطلقاً.