الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ وَمِنْهُمْ } أي: من المنافقين { مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } مالاً، وأعطانا رزقاً كثيراً { لَنَصَّدَّقَنَّ } منها للفقراء المستحقين { وَلَنَكُونَنَّ } بالبذل والإنفاق، أداء الشكر { مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [التوبة: 75] الشاكرين المنفقين، طلباً لمراضاة الله.

{ فَلَمَّآ آتَاهُمْ } الله { مِّن فَضْلِهِ } ما طلبوا منه { بَخِلُواْ بِهِ } ومنعوا حق الله منه { وَتَوَلَّواْ } عن امتثال أمر الله وإطاعة رسوله { وَّهُمْ } قوم { مُّعْرِضُونَ } [التوبة: 76] عادتهم الإعراض عن إطاعة الله ورسوله؛ لخبث طينتهم.

{ فَأَعْقَبَهُمْ } الله بسبب فعلهم هذا { نِفَاقاً } راسخاً متمكناً { فِي قُلُوبِهِمْ } مستمراً { إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } أي: الله سبحانه في يوم الجزاء، فيجازيهم على مقتضى نفاقهم وشقاقهم أسوأ الجزاء؛ ذلك { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } من الصدق والصلاح، والشكر والفلاح، ونقضوا عهده { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [التوبة: 77] أي: ويكذبهم حين العهد والميثاق بلا موافقة من قبلهم.

{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ } حين همُّوا إلى القول الكذب مع الله { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { سِرَّهُمْ } إي: إخلافهم الوعد من حصول المطلوب { وَنَجْوَاهُمْ } أي: مناجاتهم معه لا عن إخلاص ناشئ من محض المعرفة والإيمان بالله، والإقرار بربوبيته؛ لرسوخ الكفر والشرك في جبلتهم { وَ } لم يعلموا أيضاً { أَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [التوبة: 78] لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فمن آمن بتوحيده وإحاطة علمه وقدرته، كيف خرج عن أمره وإطاعته؟.

ومن المنافقين المصرين على النفاق والشقاق مع المؤمنين، هم { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } ويتسهزئون { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } المتطوعين { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي } إعطاء { الصَّدَقَاتِ } خصوصاً المؤمنين { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ } من الصدقة { إِلاَّ جُهْدَهُمْ } أي: يبذلون مقدار طاقتهم؛ طلباً لمرضاة الله { فَيَسْخَرُونَ } أولئك اللامزون المستهزئون { مِنْهُمْ } أي: من الذين بذلوا جهدهم في أمر الصدقة { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } في الآخرة؛ مجازاة على سخريتهم هذه { وَلَهُمْ } فيها { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة: 79] بدلَّ لذتهم بسخريتهم.

وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حثَّ المؤمنين يوماً على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف دينار وقال: لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة آلاف، وأمسكت لعيالي أربعة، فقال: صلى الله عليه وسلم: " بارك الله لك فيما أعطيت، وفيما أمسكت ".

وأتى عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء عقيل الأنصاري بصاع تتمر، فقال: بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر، وتركت صاعاً لعيالي، وأتيت بالآخر، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات تبركاً، فلمزهم المنافقون، فقالو: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع عقيل، ولكنه أحب أن يعد نفسه مع المتصدقين فنزلت.

{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } يا أكمل الرسل لهؤلاء اللازمين المستهزئين، المستسخرين من المؤمين بإنقاذهم من العذاب أو تخفيفه { أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } سواء عند الله في انتقامهم وعذابهم، بل { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } لا مرة ولا مرتين، بل { سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } ألبتة؛ لعظم جرمهم وفسقهم { ذٰلِكَ } أي: عدم غفرانهم { بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ } وأشركوا معه غيره في الألوهية، مع أنه منزه عن الشريك مطلقاً { وَرَسُولِهِ } أي: كذبوا رسوله، وبما جاء به من عند ربه، واستهزءوا بالمؤمنين المصدقين له، المتصفين في سبيل الله { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [التوبة: 80] عن مقتضى أوامر الله ونواهيه المسيئين الأدب مع الله ورسوله والمؤمنين.