{ ٱنْفِرُواْ } أيها الغزاة المجاهدون في سبيل الله { خِفَافاً } نشطاً فرحاناً، منبسطين لمرتبة الشهادة { وَثِقَالاً } قاصداً لأخذ الغنيمة والأحمال والأثقال من عدوكم، أو مشاة وركباناً { وَ } بالجملة: { جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ } لتهيئة الأسباب وإعداد السفر { وَأَنْفُسِكُمْ } بتحمل المشاق والمتاعب { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } لتفوزوا من عنده بالمثوبة العظمى والدرجة العليا التي لا درجة أعلى منها { ذٰلِكُمْ } أي: ما أمرتم به من عند ربكم { خَيْرٌ لَّكُمْ } في أولاكم وأخراكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [التوبة: 41] الخير وتميزونه من الشر. ثمَّ قال سباحنه في حق المستخلفين عن القتال المأمور به، المستأذنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعتذرين له بالعذر الكاذب توبيخاً لهم وتقريعاً: { لَوْ كَانَ } ما تدعوهم إليه يا أكمل الرسل { عَرَضاً } أي: متاعاً دنيوياً مما يشتهيه نفوسهم { قَرِيباً } سهل الحصول { وَ } كان السعي في حصوله { سَفَراً قَاصِداً } متوسطاً؛ أي: مساوياً نفعه لمشقة تحصيله { لاَّتَّبَعُوكَ } ألبتة طائعين لمصلحة ما يؤملونه من جلب النفع، لا لغرض ديني ونفع أخروي { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ } المسافة، واشتدت { ٱلشُّقَّةُ } أي: المشقة فيها، مع جزمهم بعدم الفائدة فيها بزعمهم الفاسد واعتقادهم الكاسد. { وَ } مع ذلك { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } معتذرين متمنين بلا موافقة قلوبهم بألسنتهم بعدما رجت من غزوة تبوك: { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } بالخروج استطاعة مالية أو بدنية { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ألبتة، مع أنهم قادرون مستطيعون بكلتا الاستطاعتين، وهم لخبث باطنهم { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بهذا الحلف الكاذب، ويعرضونها على عذاب الله { وَٱللَّهُ } والمطلع لمخايل هؤلاء المنافقين { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [التوبة: 42] في حلفهم وعذرهم هذا. { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } ما جئت به من ترك الأولى { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } استأذنوك بالقعود؛ أي: هؤلاء المنافقين المتخلفين، المعتذرين بالأعذار الكاذبة { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ } ويظهر { لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في الاعتذار والاعتدال { وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } [التوبة: 43] فيها على مقتضى نفاقهم الكامنة في نفوسهم.