الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

ثمَّ قال سبحانه تعليماً للمؤمنين على ما ثبت عنده من الأيام والشهور؛ لتتميم مصالحهم ومعاملاتهم: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ } على ما ثبت { عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: في حضرة علمه ولوح قضائه { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي: حين أظهر سبحانه عالم الكون والفساد المقدر بمكال الأيام والليالي المنقسمتين إلى الشهور والأعوام والأسبوع والساعات؛ إذ في أزل الذات لا صباح ولا مساء، ولا صيف ولا شتاء، ولا الشهور ولا السنون، فسبحان من تنزه عن التبديل والتحويل، وتقدس عن الظهور والبطون.

{ مِنْهَآ } من تلك الشهور في كتاب الله { أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، سيمت بها؛ لأن الله سبحانه حرم فيها لعباده بعض ما أباح في الشهور الأخر كرامةً لها واحترامناً، فعليكم أيها المكلفون أن تواظبوا فيها على الطاعات، وتداموا على الخيرات المبرات، واجتنبوا عن الآثام والجهالات، وأكثروا فيها الأعمال الصالحات وتوجهوا نحو الحق في جميع الحالات، سيما في تكل الشهور المعدة للتوجه من عنده { ذٰلِكَ } أي: تحريم الشهور الأربعة { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } المستقيم الموروث لكم من ملة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } بالخروج عن مقتضى تحريمها وهتك حرمتها؛ حتى لا تستحقوا عذاب الله ونكاله.

{ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } فيها إن قاتلوكم، ولا تبادروا وتسابقوا إلى قتالهم فيها وفي غيرها، بل إن بادروا على قتالكم قاتلوكم، واقتلوهم { كَآفَّةً } أي: جميعاً { كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } بلا ترحم وتوقيت { وَٱعْلَمُوۤاْ } أيها المؤمنون { أَنَّ ٱللَّهَ } المستوي على العدل القويم { مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } [التوبة: 36] الذي يحفظون نفوسهم عن هتك حرمة الله، قد حرمها الله لحكمة ومصلحة لم يطلعكم عليها.

{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ } أي: تأخير حرمة الشهر المحرم إلى شهر آخر بدله من غير المحرمات { زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } لأن خصوصية هذه الأشهر معتبرة في الحرمة، واستبدالها ازدياد في الكفر؛ لأن هتك الحرمة كفر، وتبديلها كفر آخر { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: بسبب تبديلهم إضلالاً زائداً على ضلالهم الأصلي؛ إذ { يُحِلُّونَهُ } أي: النسيء الذي يؤخرونه { عَاماً } سنة { وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } أخر بلا رعاية خصوصية في التحريم، وليس غرضهم من هذا التحليل والتحريم إلاَّ { لِّيُوَاطِئُواْ } ويوافقوا { عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } وهي الأربعة من غير التفات إلى خصوصية { فَيُحِلُّواْ } بفعلهم وتبديلهم { مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } بخصوصه، وما ذلك إلا أن { زُيِّنَ } أي: حسن وحبب لهم { لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ } أي: تحليلهم وتبديلهم القبيح { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده إلى صوب جنابه { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [التوبة: 37] الخارجين عن مقتضى مأموراته.