الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

وهم { ٱلتَّائِبُونَ } النادمون على ما جرى عليهم من المعاصي، المحافظون عليها بلا مراجعة أصلاً { ٱلْعَابِدُونَ } بالعزائم الصحيحة والإخلاص التام { ٱلْحَامِدُونَ } الشاكرون، الصارفون ما أعطاهم الحق من النعم إلى ما أمرهم من المصارف { ٱلسَّائِحُونَ } السائرون، السالكون في سبيل الحق؛ لازدياد المعارف والحقائق { ٱلرَّاكِعُونَ } المتوضعون، المنكسرون لجميع مظاهر الحق؛ تعظيماً لشأنه { ٱلسَّاجِدونَ } المتذللون، الواضعون جباههم على تراب المذلة؛ خضوعاً وانقياداً، ميلاً ودعاءً { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } المستحسن عقلاً وشرعاً واللسان، وجميع الجوارح { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } المستقبح عقلاً وشرعاً لجميع ما ورد النهي به { وَ } بالجملة: هم { ٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } الموضوعة بين أرباب التكليف القابلين، المستعدين لسلوك طريق التوحيد { وَبَشِّرِ } يا أكمل الرسل { ٱلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 112] الموصوفين بهذه الصفات الجميلة باللذات التي لا يمكن وصفها بلسان التعبير من لدن حكيم خبير.

ثم قال سحبانه على طريق النهي عموماً: { مَا كَانَ } أي: ما صحّ وجاز { لِلنَّبِيِّ } الأمي الهاشمي { وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } معه، وأخلصوا فيه { أَن يَسْتَغْفِرُواْ } ويشفعوا { لِلْمُشْرِكِينَ } بتخفيف العذاب ودخول الجنة { وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ } من النسب؛ إذ لا عبرة لقرابة النسب، بل القرابة المعتبرة هي قرابة الحسب والإيمان، سيما { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ } موتهم على الكفر والجاهلية { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [التوبة: 113] أي: ملازموها وملاصقوها، لا نجاة لهم منها؛ لإصرارهم على موجبها.

{ وَ } لا يرد على هذا استغفار إبراهيم لأبيه؛ إذ { مَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } على سبيل الشفاعة والشفقة، والعطف الموجب لها، بل ما هو { إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ } وعهد { وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } حين أراد أن يخرجه من الكفر والشرك، بأن يستغفر له ما تقدم من ذنبه إن آمن فاستغفر قبل الإيمان إنجازاً لوعده ليلين قلبه { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } ظهر عنده { أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ } مصر على كفره، مطبوع على قبله { تَبَرَّأَ مِنْهُ } واسترجع إلى الله منيباً؛ لاجترائه واستغفاره في حق أبيه، مع عدم العلم باستعداده وتوفيق الله إياه { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ } مع كونه متحققاً بمقام الخلة مع الله { لأَوَّاهٌ } كثير التأوه والتحزن عن أمثال هذه الجرأة { حَلِيمٌ } [التوبة: 114] كثير الشفقة والمرحمة على أهل الغفلة؛ لظهوره على مقتضى اللطف والجمال.

{ وَ } اعلموا أيها المؤمنون { مَا كَانَ ٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده { لِيُضِلَّ قَوْماً } ويسميهم ضلالاً وفساقاً { بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } للإيمان والإسلام { حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم } وينبه عليهم { مَّا يَتَّقُونَ } ويحذرون من المحارم والمعاصي؛ لامتناع تكليف الغافل، ثم بعد ارتكاب المحذور به يسميهم ما يسميهم، ويأخذهم منتقماً عليه { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لأمور عباده { بِكُلِّ شَيْءٍ } مما يتعلق بصلاحهم وإصلاحهم { عَلِيمٌ } [التوبة: 115] لا يعزب عن علمه شيء، فعليكم أيها المؤمنون أن تفوضوا أموركم كلها إلى الله.