الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } * { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } * { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } * { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } * { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } * { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ } * { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ } * { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } * { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } * { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ }

وبالجملة: { إِنَّ } المسرفين المفسدين { ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ } وأحرقوا { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } ظلمّاً وعدواناً، كراهة هدايتهم وإيمانهم { ثُمَّ } بعدما فعلوا من الإفراط والإسراف { لَمْ يَتُوبُواْ } إلى الله، ولم يرجعوا نحموه سبحانه عن ظلمهم، ولم يستغفروا نادمين { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } الطرد والحرمان عن حضور الحنَّان المنَّان { وَلَهُمْ } ولحق بهم؛ بسبب كفرهم بالله، وإنكارهم توحيده { عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } [البروج: 10] بدل ما فعلوا بالمؤمنين من حرقهم في الأخاديد.

ثمَّ عقب سبحانه وعيدهم بوعد المؤمنين فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة الحق { وَ } أكدوا إيمانهم بأن { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقرونة بالإخلاص في النيات { لَهُمْ } عند ربهم جزاء إيمانهم وأعمالهم تفضلاً عليهم { جَنَّاتٌ } منتزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } جداول المعارف والحقائق المنتشئة من بحر الحقيقة، وبالجملة: { ذَلِكَ } القوم العظيم الشأن، البعيد رفعةً ومكانةً عن أفهام الأنام هو { ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } [البروج: 11] والفضل العظيم الذي لا فوز أعظم منه وأرفقع.

ثمَّ أشار سبحانه إلى تهديد أصحاب الضلال، المنحرفين عن جادة الاعتدال، مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم فقال: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل، وأخذه بالعنف لعصاة عباده المائلين عن سبيل سداده، وجادة رشاده { لَشَدِيدٌ } [البروج: 12] بحيث لا يقال على شدة بطشه، وتضاعف عذابه وانتقامه.

وكيف يقاس على بطشه، ويقاوم مع أخذه { إِنَّهُ } سبحانه { هُوَ } القادر الغالب الذي { يُبْدِىءُ } ويظهر عموم المظاهر والموجودات من كتم العدم بالقدرة الغالبة الكاملة، ثمَّ يخفي ويعدم كلها أيضاً بكمال قدرته { وَيُعِيدُ } [البروج: 13] ويخرج عن فضاء الظهور مرة بعد أخرى بمقتضى قدرته واختياره، فكيف يقاوم ويقاس مع قدرته سبحانه هذه؟!

وكيف يطيق أحد أن يقوم بمعارضته - تعالى شأنه أن يُعارض حكمه، ويُنازع سلطانه - يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا يُسأل عن فعله، إنه حكيم حميد؟!

{ وَهُوَ } سبحانه بمقتضى سعة جوده ورحمته { ٱلْغَفُورُ } الستار المحاء لذنوب من تاب ورجع نحوه مخلصاً نادماً، وإن كبرت وكثرت، فإن رحمته أوسع منه وأشمل { ٱلْوَدُودُ } [البروج: 14] المحب لإخلاص المذنبين، وتوبة المستغفرين، وضراعة الخائفين المخبتين، المستحيين من الله، النادمين على ما صدر عنهم وقت الغفلة والغرور.

وكيف لا يود ولا يغفر سبحانه، مع أنه { ذُو ٱلْعَرْشِ } المستوي على عروش ما ظهر وبطن بالاستيلاء التام، والاستقلال الكامل { ٱلْمَجِيدُ } [البروج: 15] العظيم في ذاته وصفاته، وأسمائه وأفعاله؛ إذ لا وجود لسواه، ولا كون لغيره.

فظهر أنه { فَعَّالٌ } بالاستقلال الاختيار { لِّمَا يُرِيدُ } [البروج: 16] وجميع الأفعال الجارية في ملكه وملكوته صادرة عنه باختياره، وبلا شركة فيها ومظاهرة؛ إذ لا يجري في ملكه إلاَّ ما يشاء بمقتضى علمه الشامل، وحكمته الكاملة، سواء كان إنعاماً أو انتقاماً.

ثمَّ أشار سبحانه إلى تسلية حبيبه صلى الله عليه وسلم، وحثه على الصبر بأذيات قومه وتكذيبهم إياه مكابرةً فقال: { هَلُ أَتَاكَ } أي: قد أتاك ووصل إليك، وثبت ذلك عندك يا أكمل الرسل بالتواتر { حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ } [البروج: 17] أي: أخبار الأمم السالفة، وقصة تكذيبهم للرسل والكتب، وانتامنا عنهم بعدما بلغ أذيات الرسل غايتها.

السابقالتالي
2