الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ } بالله، ولم يتفطنو سر سريان وحدته الذاتية السارية في جميع الأكوان، ولم يتنبهوا للفناء في ذاته، ومع ذلك كذبوا لرسل المنبهين، المبشرين المنذرين إصلاحاً لهم وإرشاداً، أولئك الأشقياء المردودون { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } يتعاونون ويتعاضدون في كفرهم وجهلهم { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } أي: ألا تفعلوا ما أمرتم به من الموالاة والمواصلة، والنصر والمعاونة { تَكُنْ فِتْنَةٌ } سارية { فِي ٱلأَرْضِ } أي: طبيعة العدم { وَ } حدث فيها { فَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال: 73] هو غفلة الأظلال عن الذات، والظل والصور عن ذي الصورة، والعكوس عما انعكس فيها.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } أي: سلكوا وسافروا، وبعدما تحققوا باليقين العلمي { وَجَٰهَدُواْ } أي: ارتضاوا؛ أي: انخلعوا عن جلباب التعين { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي هو الفناء فيه؛ ليتحققوا باليقين العيني { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ } ووالوا ألوياء الإرادة { وَّنَصَرُوۤاْ } أرباب الطلب { أُولَـٰئِكَ } الواصلون المبرزون { هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المتحققون، المبثتون في مرتبة اليقين الحقي { حَقّاً } ثابتاً بلا دغدغة استكمال وانتظار، متقرراً في مقر التوحيد ومقعد المصدق عند مليك مقتدر { لَّهُمْ } بعد وصولهم إلى مقرهم { مَّغْفِرَةٌ } ستر لأنانيتهم التي كانوا عليها على مقتضى تعيناتهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 74] من الكشف والشهود، نزلاً ن عند العزيز العليم.

ثمَّ بشَّر سبحانه بما بشَّر به من اقتفى أثركم أيها المكاشفون الواصلون، وسلك سبيلكم من أصحاب الإرادة والطلب، فقال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ } كما هاجرتم أيها الفائزون الواصلون { وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } في سبيل الله وترويج دينه وسنته بأنفسهم وأموالهم كما جاهدتم أنتم { فَأُوْلَـٰئِكَ } المجاهدون الباذلون { مِنكُمْ } أي: من جملتكم وعدادكم، وأجرهم عند الله مثل أجركم، وهم إخوانكم وأرحامكم في الدين { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } وذووا المناسبات والقرابات في الدين والعرفان { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } في الولاية والنصر، والمصاحبة والمؤاخاة { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: في حضرة علمه ولوح قضائه { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي على ذرائر الآفاق { بِكُلِّ شَيْءٍ } من رقائق المناسبات ودقائقها { عَلِيمٌ } [الأنفال: 75] بعلمه الحضوري، لا يعرب عن حضوره شيء.

خاتمة السورة

عليك أيها المتوجه نحو الفناء، المهاجر عن ورطة الغفلة والغرور، أن تقتفي في سلوكك هذا أثر أهل الهجرة والنصرة المرابطين قلوبهم لتوحيد الجق، الباذلين مهجهم في تقوية من ظهر عليه صلى الله عليه وسلم وترويج دينه سنته، المتخلقين بأخلاقه، المتعطشين بزلال مشربه المستظلين بظل روائه، المستمسكين بعروة ولايته، ولا يحصل لك هذا إلا بالركون والإعراض التام عن متقضيات القوى البشرية ولوازم الطبيعة مطلقاً، كهؤلاء الكرام المنخلعين عن جميع ما يشوشهم من لوازم هوياتهم في معاشهم حتى عن الأهل والأوطان.

لذلك انكشف لهم من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات إلى حيث اضمحلت عن عيون بصائرهم ما سوى الحق مطلقاً، وصاروا فانين في الله، متحققين بمقام " وبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش... " ، ولك في عزيمتك هذا التشبث بكتاب الله الذي هو المرشد الحقيقي، وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبكلمات المشايخ العظام - قدس الله أرواحهم - ولا سيما ذلك الاستمداد من قلوب البدلاء والوالهين، الحائرين بمطالعة وجه الله الكريم؛ إذ هم لاستغراقهم في بحر الشهود انخعلوا عن لوازم هوياتهم، وما لنا من حالاتهم إلا الحسرة والعبرة إن كنا من أهل الاعتبار والاستبصار.

ربنا اهدنا إليك بأي طريق شئت، إنك بفضلك وجودك تهدي من تشاء من عبادك وإنك على ما تشاء قدير.