الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

ثمَّ قال: سبحانه: { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } الفارق بين احتجاب أصحاب الحيرة والضلال، وأرباب العناية والوصال { كَانَ } له { مِيقَاتاً } [النبأ: 17] وقتاً معيناً في حضرة علم الله، مقدراً في لوح قضائه، لم يطلع أحداً عليه وعلى تعيينه، بل أخبرهم بأماراته وعلاماته.

اذكر يا أكمل الرسل { يَوْمَ } أي: يوم إذ حل وقت يوم الفصل، وقيام الساعة { يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } النفخة الأولى؛ لبعث الموتى، وإذا وصل لهم ذلك الصدى فيخرجون من قبورهم حيارى سكارى مبهوتين، ثمَّ ينفخ فيه ثانياً، للحشر { فَتَأْتُونَ } المحشر { أَفْوَاجاً } [النبأ: 18] زمراً زمراً، فرقاً فرقاً.

{ وَ } يومئذٍ { فُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ } أي: خرقت وشقت { فَكَانَتْ } الخرق والشقوق لها { أَبْوَاباً } [النبأ: 19].

{ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } عن وجه الأرض، وتحركت فطارت أجزاؤها، كالهباء نحو الهواء { فَكَانَتْ } أشكالها وهيئاتها { سَرَاباً } [النبأ: 20] أي: كالسراب يُرى على صورة الجبال، ولا حقيقة لها كما هي الآن عند العارف المكاشف.

{ إِنَّ جَهَنَّمَ } يومئذٍ { كَانَتْ مِرْصَاداً } [النبأ: 21] مرصداً ومصيراً لعموم العباد، يعبرها أهل الجنة على تفاوت سرعة وبطء، مترتباً على تفاوت أعمالهم وأحوالهم ومقاماتهم: منهم من لا يلتفت نحوها، ولا يدركها أين هي وإن عبرها.

ومنهم من يعبرها، كالبرق الخاطف، ثمَّ الأمثل الأمثل فينجون من غوائلها، ويسقط فيها أهل النار، ويبتلون بأغلالها وسلاسلها فتصير { لِّلطَّاغِينَ } المصرِّين على كفرهم وطغيانهم { مَآباً } [النبأ: 22] مرجعاً ومأوى، لا يخرجون منها.

بل يكونون { لاَّبِثِينَ } ماكثين { فِيهَآ أَحْقَاباً } [النبا: 23] وأيّ أحقاب، أحقاباً لا كأحقاب الدنيا، بل لا نهاية لها، ولا غاية لحدها فذكرها كنايةً عن عدم نهايتها.

وهم { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا } أي: في جهنم البعد والحرمان { بَرْداً } لحرمانهم عن لذة برد اليقين في النشأة الأولى { وَلاَ شَرَاباً } [النبأ: 24] لأنهم لم يشربوا في النشأة الأولى من زلال الإيمان شربة، ولا من رحيق العرفان جرعة.

لذلك لم يشربوا في النشأة الأخرى { إِلاَّ حَمِيماً } ماءً حاراً، سخن بنيران غضبهم وشهواتهم، بحيث يقطع أمعالهم من شدة حرارته.

{ وَغَسَّاقاً } [النبأ: 25] صديداً يسيل من جراحات أهل النار بدل ما يأكلون ويشربون من أموال اليتامى والمظلومين ظلماً.

وبالجملة: جوزوا فيها { جَزَآءً وِفَاقاً } [النبأ: 26] موافقاً مطابقاً لأعمالهم التي آتوا بها في دار الدنيا.

وبالجملة: { إِنَّهُمْ كَانُواْ } حين يمموا على المعاصي، وعزموا على الآثام { لاَ يَرْجُونَ } ولا يأملون { حِسَاباً } [النبأ: 27] ولا يخافون عذاباً.

{ وَ } لهذا { كَذَّبُواْ } بآياتنا الدالة على كمال قدرتنا، واقتدارنا على وجوه الإنعام والانتقام، وعلى رسلنا المنزلة إليهم بتلك الآيات { بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } [النبأ: 28] تكذيبً بليغاً، وإنكاراً شديداً إلى حيث يستهزئون بالآيات والرسل.

{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } [النبأ: 29] يعني: هم وإن بالغوا في التكذيب والعناد فصلنا عليهم أعمالهم، وأحصينا لهم جميع خصائلهم المذمومة في صحف أعمالهم، سيحاسبون عليها على التفصيل، ويجازون بمقتضاها.

وبعدما يحاسبون ويؤاخذون، يقال لهم زجراً عليهم وتوبيخاً: { فَذُوقُواْ } أيها المسرفون المفرطون { فَلَن نَّزِيدَكُمْ } بأعمالكم وتكذيبكم { إِلاَّ عَذَاباً } [النبأ: 30] فوق العذاب.

في الحديث - صلوات الله على قائله -: " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار ".