الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } * { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

وبعدما سمعت ما سمعت من الكرامة والتعظيم { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } ولا تستعجل في نصرتك وظهورك على عموم أعدائك من جنود أهل التقليد والضلال، سيما كفار مكة، خذلهم الله.

{ وَ } بعدما كوشفت بحقية الحق، ووحدته واستقلاله في الوجود ومطلق الآثار { لاَ تُطِعْ مِنْهُمْ } أي: من أهل التقليد وأصحاب الضلال أحداً سواءً كان { ءَاثِماً } متناهياً في الفسوق والعصيان، بحيث ينتهي إثمه إلى الكفر { أَوْ كَفُوراً } [الإنسان: 24] لنعم الله، مبالغاً في كفران نعمه ونسيان كرمه، بحيث ينتهي كفرانه إلى الكفر، أعاذنا الله وعموم عباده منهما.

{ وَ } بعدما تحققت بمقام الكشف والشهود { ٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الإنسا: 25] أي: في عموم أوقاتك وحالاتك، وداوم على ذلك.

{ وَمِنَ ٱللَّيْلِ } الموضوع؛ للخلوة مع الله، ودوام المراقبة معه { فَٱسْجُدْ لَهُ } وتوجه نحوه توجهاً خالصاً، مقارناً بكمال الخضوع والخشوع، والتذلل التام { وَسَبِّحْهُ } أي: نزه ذاته عن جميع ما لا يليق بشأنه { لَيْلاً } أي: في خلاله تسبيحاً { طَوِيلاً } [الإنسان: 26] خالياً عن مطلق الشواغل، فارغ البال عن تشتت الآمال، هكذا دأب أصحاب الكمال، وديدنة أصحاب الوجد.

والحال { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } أي: أصحاب الضلال المنحرفين عن جادة الاعتدال { يُحِبُّونَ } اللذة { ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ } أي: يتركون أمامهم وخلفهم بلا مبالاة لهم { يَوْماً ثَقِيلاً } [الإنسان: 27] شديداً، يشتد الأمر فيه عليهم ويصعب، ومع ذلك ينكرون له ويكذبونه.

وكيف يذرونه وينكرونه، مع أنَّا نخبر به، ونأمر بتصديقه؛ إذ { نَّحْنُ } بمقتضى قدرتنا { خَلَقْنَاهُمْ } وقدرنا وجودهم أولاً من أهون الأشياء، وأخسها وأرذلها { وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } أي: عدلنا أركانهم وجوارحهم، وأحكمنا مفاصلهم وأوصالهم، وبالجملة: سويناهم أشخاصاً قوابل للتكليف؛ ليترتب عليهم الإيمان والتصديق بجميع المعتقدات الدينية { وَ } بعدما لم يؤمنوا، ولم يصدقوا عناداً وكابرةً { إِذَا شِئْنَا } وعلق مشيئتنا على إهلاكهم واستئصالهم أهلكناهم واستأصلناهم، و { بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ } في الخلقة وجميع لوازمها { تَبْدِيلاً } [الإنسان: 28] حسناً، بحيث يكون المبدل خيراً، وأحسن وأكمل من المبدل منه.

وبالجملة: { إِنَّ هَـٰذِهِ } الآيات الدالة على تهذيب الأخلاق والأطوار { تَذْكِرَةٌ } ناشئة من قِبَل الحق { فَمَن شَآءَ } أن يتعظ به، أو يتذكر بما فيها { ٱتَّخَذَ } أولاً { إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [الإنسان: 29] يعني: شرع في مسالك القرب والوصول إلى الله، فتقرب نحوه بالمعاملات، ثمَّ بالأحوال والمقامات، ثمَّ بالمعارف والحقائق المنتهية إلى المكاشفات والمشاهدات المؤدية إلى الوصول والنهايات، وليس وراء الله مرمى ومنتهى.

{ وَ } لكن { مَا تَشَآءُونَ } أيها المتقربون إلى الله، السائرون نحوه حسب التوفيق والتيسير الإلهي { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } الموفق لهم، الموجد المقدر لعموم أفعالهم وأعمالهم، المنجي لهم عن غياهب الإمكان، وظلمَّات الخيالات والأوهام { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده { كَانَ عَلِيماً } بقابلياتهم اللائقة لفيضان الكشف والشهود { حَكِيماً } [الإنسان: 30] في تربيتهم وتكميلهم.

السابقالتالي
2