ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعيد بالوعد: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة نحوه على مقتضى استعداداتهم وقابليتهم ومقدار وسعهم وطاقتهم؛ إذ { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ } السعداء الباذلون جهدهم في سلوك طريق الفناء { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } المعدة لأرباب الولاء، المتمكنون في مقام الرضا بما جرى عليهم ن القضاء { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الأعراف: 42] ما شاء الله؛ إذ لا حول ولا قوة فيها إلا بالله.
{ وَ } بعدما دخلوا جنة التوحيد { نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } مشعر بالاثنينية والأنانية؛ إذ { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } أي: جداول المعارف والحقائق المتشرحة من بحر الوحدة { وَ } بعدما كوشفوا بفناء تعيناتهم وفازوا بالبقاء السرمي الإلهي { قَالُواْ } بلسان استعداداتهم بإلقاء الله إياهم ليتحققوا بمقام الشكر: { ٱلْحَمْدُ } والثناء المنبعث من محض التسليم والرضا { للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي: أوصلنا بمقام الرضا وشرف البقاء واللقاء { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } بأنفسنا لو بقينا في مجلس هوياتنا ومضيق تعيناتنا { لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } بلطفه وسعة جوده ورحمته، وحين تمكنوا في مقام الكشف والشهود أقسموا بالله { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا } لإرشادنا ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع في جميع ما جاءوا به { وَ } بعدما تحققوا بمقام الشكر واعترفوا بما اعترفوا { نُودُوۤاْ } من وراء سرادقات العز ولاجلاء: { أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } أي: التوحيد الذاتي { أُورِثْتُمُوهَا } أعطيتم بها ومكنتم فيها { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 43] بمقتضى أوامر الله ونواهيه وإرشاد رسله وتذكير كتبه.