الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ وَأُمْلِي لَهُمْ } أي: أمهلهم في بطرهم وغفلتهم إلى حيث ازدادو على نفوسهم من العتو والفساد الموجب لشدة العذاب؛ مكراً عليهم وكيداً { إِنَّ كَيْدِي } أي: مكري وخداعي مع العصاة الغواة، الضالين عن منهج { مَتِينٌ } [الأعراف: 183] محكم حيث لم يحسوا به أصلاً إلى أن أخذوا بأسوأ العذاب وأشد النكال.

ثمَّ أشار سبحانه إلى توبيخ المسرفين المسفهين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عناداً ومكابرةً فقال: أما تستحيون من الله أولئك المسرفون، المفرطون في نسبته الجنون إلى من فاق على جميع العقلاء بالرشد والهداية؟ { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } ويتدبروا أنه { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } خفة عقل موجب للخيط، وما لم يفهموا من كلامه إلى أن صدر عنهم هفوة لا عن قصد، ويسمونه مجنوناً لذلك { إِنْ هُوَ } أي: بل ما هو صلى الله عليه وسلم عند التحقيق { إِلاَّ نَذِيرٌ } ينذرهم بإذن الله ووحيه، ويخوفهم بما يخوفهم الله به { مُّبِينٌ } [الأعراف: 184] عظيم الشأن، ظاهر في أمر الإنذار.

رُوي أنه صلى الله عليه وسلم صعد الصفا يوماً فدعاهم فخذاً فخذاً، يحذرهم عن بأس الله بطشه فقال قائلهم: إن صاحبكم لمجنون، فزلت.

ثمَّ قال سحبانه على سبيل التوبيخ لهؤلاء المسرفين الذين ينسبون ما هو خارج عن مدركات عقولهم إلى الجنون: أينسبون جميع ما يخالف عقولهم إلى الجنون ويدعون استقلال العقل في العلوم المتعلقة في الأشياء كلها { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ } ويتدبروا كيف تقصر وتدهش عقولهم { فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وكيفية نظمها وقصدها وتربيتها وتطبيقها، وما فيها من كواكبها وبروجها وحركاتها وأدوارها، وانقلاباتها صيفاً وشتاءً وربيعاً وخريفاً.

{ وَٱلأَرْضِ } وما عليها من تلالها ووهادها، وأنهارها وبحارها، ورياضها وأزهارها، وغرائبها وبدائعها المكنونة والمتكونة فيها، بل { وَ } في جميع { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } وأظهره من كتم العدم إظهاراً إبداعياً { مِن شَيْءٍ } أي: مما يطلق عليه اسم الشيء، تدهق وتتحير في ظهور فحول العقلاء إلى حيث لم يفهموا كيفية ظهور ذرة صغيرة من ذرائر العالم، فيكف لميتها؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم دعائه: " الله أرنا الأشياء كما هي " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: " رب زدني تحيراً ".

هذا في الآفاق الخارجة عنهم { وَ } أمَّا في أنفسهم فلم ينظروا { أَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } المقدر المسمى لهم، وهم لا يفهمونه، وإن اجتمع جميع العقلاء في تعيين أجل شخص واحد، ومع قصور نظرهم وسخافة عقلهم ينسبون الجنون إلى المكاشفين المناظرين بنور الله، المطالعين المشاهدين دائماً صفاء وجهه الكريم، وهم الذين انخلعوا عن لوازم البشرية مطلقاً، وشقوا جلباب الناسوت رأساً، وخرقوا الحجب المسدولة بالكلية وصاروا ما صاروا، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، وبعدما سقط العقل عن درجة الاعتبار، واضمحل مدركاته عن الاعتماد فلا تعويل إلا على الوحي والإلهام الملقى من عند العليم العلام { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ } من الأحاديث المهمة والموحى به { بَعْدَهُ } أي: بعد نزول القرآن { يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 185] أي: المؤمنون المصدقون بالوحي والإلهام.

السابقالتالي
2