الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ وَ } من عموم وجودنا أيضاً أنا { لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } أي: قدرنا تعيناتكم وأظهرنا هوياتكم من كتم العدم { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أي: زيناكم بصورنا وخلقناكم بأخلاقنا { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } المهيمين المستغرقين بمطالعة جمالنا: { ٱسْجُدُواْ } تذللوا، تواضعوا { لأَدَمَ } المصور على صورتنا تعظيماً لنا وتكريماً له؛ إذ هو مرآة مجلوة تحاكي جميع أوصافنا وأسمائنا، وترشدكم إلى وحدة ذاتنا، وبعدما شهدوا آثار جميع أوصافنا وأسمائنا منه { فَسَجَدُوۤاْ } جميعاً متذللين { إِلاَّ إِبْلِيسَ } الذي هو رأس جواسيس النفوس الخبيثة { لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الأعراف: 11] مع كونه من زمرتهم حين أرموا، ثم لما امتنع إبليس عن السجود.

{ قَالَ } سبحانه إظهاراً لما تحقق في علمه وكمن في غيبه من خبث طينة إبليس: { مَا مَنَعَكَ } يا أبليس { أَلاَّ تَسْجُدَ } لخليفتي { إِذْ أَمَرْتُكَ } مع رفقائك؟ { قَالَ } إبليس في الجواب بمقتضى هويته الباطلة وأهويته الفاسدة: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } وأفضل { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } منير { وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12] مظلم كدر، ولا يحسن تذلل الفاضل للمفضول.

لما امتنع عن مقتضى الأمر الوجوبي، ولم يتفطن بسره الذي هو التوحيد الذاتي؛ إذ الأمر سجود المظهر الجامع والظل الكامل، أمر بالتوجه نحو الذات الأحدية والمعبود الحقيقي المتجلي عليه، طرده سبحانه عن ساحة عز حضوره حيث { قَالَ } مبعداً: { فَٱهْبِطْ } أيها المطرود الملعون { مِنْهَا } أي: من ساحة عز التوحيد المقتضية للتذلل التشخع، ورفض الالفتات إلى الغير والسوى مطلقاً { فَمَا يَكُونُ } يجوز ويصح { لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } بادعاء التفضل والتفوق المتقضي للإضافات الناشئة من أنانيتك الباطلة { فَٱخْرُجْ } منها مطروداً مخذولاً { إِنَّكَ } حيث كنتن وأين كنت { مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } [الأعراف: 13] الذليلين المحرومين، بل أنت سبب صغار سائر الأذلاء.

ثم لما آيس إبليس عن القوبل وحرم عن ساحة عز الحضور بسبب إبائه عن سجوده آدم، { قَالَ } منتقماً من آدم متضرعاً إلى ربه: { أَنظِرْنِي } أي: أمهلني يا ربي فيما بينهم لأضلهم وأغويهم { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الأعراف: 14].

{ قَالَ } سبحانه إظهاراً للسر الذي أسلفناه في سورة البقرة: { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [الأعراف: 15] فيما بينهم ليتميز المحق منهم من المبطل والمهدي من الغوي.

{ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } أي: فبسبب ما بعدتني وأطردتني لأجلهم { لأَقْعُدَنَّ } وألزمن البتة { لَهُمْ } لإغوائهم وإضلالهم { صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16] أي: على دينك وطريقتك الموصل لهم إلى توحيدك، أغويهم وأوسوسهم بأنواع الوسوسة بعضهمب بالفسق والظلم، وبعضهم بالرياء والسمعة، وبعضهم بالمخائل الفاسدة من اللذات الوهمية والخيالية، وبالجملة: أوسوسهم وأخرجهم بأنواع الحيل عن جادة توحيدك.

{ ثُمَّ } بعدما أرد وسوستي في نفوسههم { لآتِيَنَّهُمْ مِّن } جميع جهاتهم { بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي: يضلهم بالمعاصي الحاصلة من قدامهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي: بالمعاصي الحاصلة منه { وَ } أيضاً { عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَ } بالجملة: استسخرهم وأحيط عليهم بإغوائي ووسوستي إلى حيث { لاَ تَجِدُ } يا معز كل ذليل، ومدل كل دليل { أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 17] بعد رجوعهم إليك شاكرين، صارفين ما آتيتهم من النعم إلى ما أمرتهم به.

السابقالتالي
2