الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ } أيها الطاغي المتجبر المتكبر وتنكر عليها { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا } أيقنا وأذعنا { بِآيَاتِ رَبِّنَا } الذي أظهرنا من كتم العدم، وربانا بأنواع اللطف والكرم { لَمَّا } أي: حين { جَآءَتْنَا } تلك الآيات، وانكشفنا بحقيتها بتوفيق منه وجذب من جانبه، ولو كوشفت أيضاً بما انكشفنا، ارتفع غطاء التعامي وغشاوة الغفلة عن بصرك وبصيرتك، فتشهد بما شهدنا إلا أن الحق سبحانه ختم على قبلك وبصرك وسمعك بالغشاوة الغليظة والحجب الكثيفة؛ لذلك استكبرت واستنكرت، وبالجملة:مَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40].

ثم انصروا نحو الحق واشتغلوا بالمناجاة معه سبحانه، فقالوا متضرعين: { رَبَّنَآ } يا من ربانا بلطفك وكرمك إلى أن جعلتنا من زمرة شهدائك الذين بذلوا مهجهم في سبيلك طائعين راغبين { أَفْرِغْ } أفض واصبب { عَلَيْنَا صَبْراً } من عندك متوالياً متتابعاً حين اشتغل هذا الطاغي على قضاء ما هددنا به بحيث لا يغيب عنا شوقك، ولا يغلب على قلوبنا ألم ناسوتنا اصلآً { وَ } حين انقطعت أنفاسنا وخرجت أرواحنا { تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } [الأعراف: 126] مستقرين على الرضا والتسليم، ثابتين على جادة التوحيد والعرفان بلا تزلزل وتمايل.

ثبت أقدامنا على دينك وتوحيدك يا خير الناصرين.

{ وَ } بعدما فعل فرعون بالسحرة أنار الله براهينهم ما هددهم به { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ } يعني: بني إسرائيل { لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } سيما بعدما انتشر في أقطار الأرض غلبتهما عليك، ويغيروا طباع الناس عنك، ويوقعوا الفتن بين رعايا بلادك { وَ } بالجملة: أدى أمرهم وإيقاعهم إلى أن { يَذَرَكَ } أي: كل واحد منهم عبادتك { وَ } عبادة { آلِهَتَكَ } التي وضعتها لعبادة عبادك من الأصنام والتماثيل لتتخذوها معبودات وتتوجهوا نحوها { قَالَ } فرعون: لا ندعهم بعد اليوم على ما كانوا عليه من قبل، ولا نستأصلهم أيضاً؛ لئلا ينسب الظلم والعجز إلينا، بل نستضعفهم على التدرج { سَنُقَتِّلُ } بعد اليوم { أَبْنَآءَهُمْ } أي: ذكور أولادهم؛ لئلا يتكثروا { وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ } أي: إناث أولادهم حتى نتزوجهن وينزجروا بلحوق العار، وإذا مضى زمان على هذا انقرضوا واستؤصلوا، وكيف لا نفعل بهم ما نقول { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [الأعراف: 127] قادرين غالبون.

وبالجملة: لما فعلنا بهم من قبل فيما مضى، هكذا أيضاً الآن حتى لا يتوهم أن موسى هو المولود الذي زعم الكهنة والمنجمون أن ذهاب ملكنا على يده.

ثم لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون تفزعوا منه وتضجروا، وبثوا الشكوى إلى الله متضرعين { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } تسلية لهم وإزالة لضجرتهم: { ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ } لدفع مضارهم { وَٱصْبِرُوۤاْ } على أذاهم ولا تقنطوا من نصر الله وعونه واعلموا { إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ } إيجاداً وتملكاً وتصرفاً { يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ } بالجملة { ٱلْعَاقِبَةُ } الحميدة { لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128] الذين يتقون عن محارم الله، ويصبرون على ما ج اءهم من القضاء.

{ قَالُوۤاْ } يعني: بنو إسرائيل: { أُوذِينَا } من أجلك يا موسى { مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا } بالرسالة بقتل الأبناء واستحياء النساء { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أيضاً كذلك { قَالَ } موسى: لا تيأسوا من نصرف الله وإنجاز وعده، بل { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } أي: قرب أمر ربكم وإنجاز وعده بإهلاك عدوكم { وَ } بعد أهلاكهم { يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } التي هم فيها { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 129] هل تشكرون نعمه أم تكفرونها أو تعلمون من الصالحات أم تفسدون فيها مثلهم؟.