الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } * { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

بل صاروا { خَٰشِعَةً } ذليلة حاسرة { أَبْصَٰرُهُمْ } هائمة عقولهم، وبالجملة: { تَرْهَقُهُمْ } وتلحقهم { ذِلَّةٌ } محيطة بجميع جوانبهم { وَ } كيف لا يكونون كذلك يومئذٍ؛ إذ هم { قَدْ كَانُواْ } في نشأة الاخيتار { يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } حينئذٍ { وَهُمْ سَٰلِمُونَ } [القلم: 43] متمكنون قادرون عليه، فلم يفعلوا عناداً ومكابرةً؟! فالآن قد انقضى وقت الاعتبار، فلا ينفعهم التذلل والانكسار سواء قدروا أو لم يقدروا.

وبعدما بالغ المنكرون المكذِّبون في قدح القرآ، وطعنه، وأصروا على العناد والاستكبار.

{ فَذَرْنِي } أي: خلني يا أكمل الرسل { وَ } وفوض عليّ أمر { مَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني: القرآن، ولا تُتعب نفسك في معارضتهم ومجادلهم، ولا تعجل في أخذهم وانتقامهم، فإني أنتقم منهم، وأكفيك مؤنة شرورهم، فاعلم أنَّا { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } أي: ندنيهم درجة درجة إلى سوء العذاب بأن نهملهم في الدنيا، وننعم عليهم، ونديم صحتهم ونوفر عليهم أسباب الشقاوة حتى صاروا مغمرين في الكفر والطغيان، منهمكين في الضلال والعصيان، ثمَّ نبطشهم { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [القلم: 44] أي: من جهة وطريقة لا يفهمون أنه من جهته وطريقه مكراً عليهم، وزجراً لهم.

{ وَ } بالجملة: { أُمْلِي لَهُمْ } وأمهلهم كيداً عليهم، وهم لا يشعرون { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [القلم: 45] محكم لا يفهمه أحد، ولا يدفعه شيء.

أينكرون إرشادك وتبليغك إياهم عناداً ومكابرةً؟! { أَمْ } يظنون أنك { تَسْأَلُهُمْ أَجْراً } جعلاً على إرشادك وتكميلك إياهم؟! { فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ } أي: من أجل غرامة { مُّثْقَلُونَ } [القلم: 46] بحملها فيعرضون عنك، ويكذبونك بسببها.

{ أَمْ } يدَّعون الاطلاع على المغيبات، ويزعمون أن { عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي: لوح القضاء { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } [القلم: 47] منه جميع ما يحكمون به من الإقرار والإنكار، وبه يستغنون عن تعليمك وإرشادك؛ لذلك يكذبونك وينكرون عليك؟!

وهم وإن بالغوا في العناد والإنكار { فَٱصْبِرْ } أنت يا أكمل الرسل { لِحُكْمِ رَبِّكَ } وهو تأخير نصرك عليهم، وإمهالهم زماناً على حالهم، ولا تستعجل في مؤاخذتهم { وَلاَ تَكُن } في الاستعجال { كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني: أخاك يونس بن متى عليه السلام، فاستعجل العذاب القومه، ثمَّ لمَّا ظهرت أماراته خرج من بينهم مغاضباً عليهم حتى اقتحرم البحرفَسَاهَمَ } [الصافات: 141] في السفينةفَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ * فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } [الصافات: 141- 142]، اذكر { إِذْ نَادَىٰ } ربه في بطن الحوت { وَهُوَ } حينئذٍ { مَكْظُومٌ } [القلم: 48] مملوء غضباً وغيظاً، مبتلى بالبلاء العظيم.

{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ } أدركته { نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } يعني: لو لم يوفقه سبحانه على نعمة التوبة، والإنابة والرجوع إليه على وجه الإخلاص والندامة { لَنُبِذَ } وطرح ألبتة { بِٱلْعَرَآءِ } أي: الأرض الخالية عن الشجر { وَهُوَ } حينئذٍ { مَذْمُومٌ } [القلم: 49] مليم مطرود من الرحمة والكرامة.

لكن أدركته العناية الإلهية، وانفتح له باب التوبة والاستغفار على وجه الندم والانكسار، فاستغفر ربه وتاب عليه، وأجاب له تفضلاً عليه وامتناناً { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ } أيضاً لمصلحة النبوة فأرسله إلى قومه { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [القلم: 50] الكاملين في الصلاح، الفائزين بالعصمة والفلاح.

السابقالتالي
2