الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ }

ومن شدة غضبها وسخطها { تَكَادُ } وتقرب { تَمَيَّزُ } وتفترق أجزاؤها { مِنَ الغَيْظِ } المفرط { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ } أي: جماعة وفرقة من المتفقين المجتمعين على ديدنة قبيحة، وخصلة خارجة عن مقتضى الحدود الإلهية { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ } سؤال توبيخ وتقريع: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [الملك: 8] يخفوكم من هذا العذاب الهائل، مع أن سنة الله جرت على ألاَّ يدخل عباده فيها إلاَّ بعد الإنذار والتخويف.

{ قَالُواْ } حينئذٍ متسحرين: { بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ } فأنذرنا عنها على أبلغ الوجوه { فَكَذَّبْنَا } النذير، وأفرطنا في تكذيبه إلى حيث نفينا الإنزال والإرسال مطلقاً، بل كفرنا بالحق وبحميع ما جاء به النبي النذير من عنده، ونسبنا دعواه إلى السفه والضلال { وَ } بالجملة: { قُلْنَا } له حين دعوته وادعائه نزول الكتاب: { مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ } أي: ما أنتم أيها المدَّعون للرسالة { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } [الملك: 9] عظيم لا ضلال أعظم من ضلالكم.

{ وَ } بعدما حكوا أولئك الضالون ما حكوا { قَالُواْ } من غاية أسفهم وحسرتهم على سبيل التمني: { أَوْ نَعْقِلُ } كلام الرسل المؤيَّدين بالمعجزات الظاهر { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ } نتأمل ونتفكر في حججهم الساطعة، ودلائلهم القاطعة { مَا كُنَّا } الآن { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك: 10] أي: في عدادهم ومن جملتهم.

وبالجملة: { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } وندموا، وما ينفعهم الاعتراف والندم؛ لمضي وقته، بل { فَسُحْقاً } طرداً وتبعيداً عن ساحة عز القبول، وعن سعة رحمة الحق، وكنف لطفه ومغفرته { لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك: 11] أي: لمطلق من دخل بشؤم كفره وإنكاره فيها.

ثمَّ أردف سبحانه حال الكفرة بحال المؤمنين تنشيطاً للسامع، وحثاً له على التثبت في الإيمان فقال: { إِنَّ } المؤمنين { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ } ويخافون { رَبَّهُم } أي: عذابه { بِٱلْغَيْبِ } أي: حال كونهم في النشأة الأولى غائبين عنه، غير معاينين له { لَهُم } عند ربهم { مَّغْفِرَةٌ } ستر ومحو لذنوبهم الصادرة عنهم بمقتضى بشريتهم جزاء إيمانهم بالله، وخشيتهم عن عذابه { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك: 12] يصغر دونه الدنيا وما فيها تفضلاً عليهم وامتناناً، ألا وهو رضاء الله منهموَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72] من الآخرة وما فيها، فكيف عن الدنيا؟!

ثمَّ لمَّا قال بعض المشركين لبعضهم على سبيل التهكم: أسرُّوا قلوكم؛ كي لا يسمعه ربّ محمد، نزل: { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ } أيها المشركون { أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ } وهما سيان بالنسبة إلى علمه المحيط، وكيف لا { إِنَّهُ } سبحانه { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الملك: 13] أي: بما في الضمائر قبل أن يعتبر به أو يقصد بتعبيره، بل هو عليم بما في استعداداتكم وقابلياتكم المكنونة في عالم الأسماء والصفات قبل ظهوركم في عالم الأشباح؟!

{ أَلاَ يَعْلَمُ } العليم الحكيم { مَنْ خَلَقَ } وقدّر بمقتضى علمه المحيط، وقدرته الشاملة، وإرادته الكاملة { وَ } كيف لا { هُوَ ٱللَّطِيفُ } الواصل آثار علمه إلى خفيات الأشياء وأسرارها { ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14] المحيط خبرته لظواهر المظاهر وبواطنها.

وبالجملة: { هُوَ } سبحانه القادر المقتدر { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } أيها المكلفون بمقتضى سعة رحمته وجوده { ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } لينة سهلة، قابلة للسلوك عليها { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا } جبالها أو جوانبها حيث شئتم { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } رغداً واسعاً متى أردتم، واشكروا المنعم المفضل، ولا تكفروا به وبنعمه { وَ } اعلموا أنه { إِلَيْهِ } لا إلى غيره من الوسائل والأسباب { ٱلنُّشُورُ } [الملك: 15] أي: نشور الكل ورجوعه؛ إذ لا مرجع لكم سواه، ولا معاد إلاَّ إليه، فيسألكم عمَّا أنعم عليكم ويحاسبكم عليه.