الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ } أي: مثلهم كمثل اليهود الذين مضوا { مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } بزمانهم { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } في الدنيا من أنواع الهوان والخسار { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الحشر: 15] في الآخرة التي هي دار البوار.

بل مثلهم { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي: مثل المنافقين في إغراء اليهود على قتال المؤمنين كمثل الشيطان وقت { إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ } أي: كل فرد وفرد من أفراد الكفرة: { ٱكْفُرْ } حتى أعينك على عموم مقاصدك ومرامك { فَلَمَّا كَفَرَ } الإنسان - العياذ بالله - بتغريره { قَالَ } له الشيطان بعدما كفر: { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } لا أعينك على شيء؛ لأنك كفرت بالله، وصرت عدواً لله { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } القادر القاهر الغيور أن ينتقم عني بسبب معاوتنك ومظاهرتك؛ لكونه { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الحشر: 16] فلا يجري التصرف في ملكه بلا إذن منه سبحانه.

وبعدما كفر الإنسان بتغرير الشيطان وتلبيسه { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } أي: عاقبة الشيطان والإنسان الذي كفر بتغريره { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } تابعاً ومتبوعاً، لا زماناً دون زمان، بل واقعا { خَالِدِينَ فِيهَا } مستمرين أبداً { وَذَلِكَ } الخلود في النار { جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [الحشر: 17] الخارجين عن ربقة الرقية الإلهية، وعروة عبوديته بتلبيس الشيطان وتغريره.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: التقوى عن محارم الله، والاجتناب عن منهياته { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } واحذروا عن بطشه وانتقامه { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ } أي: كل واحد من النفوس المجبولة على نظرة الدارية والشعور على وجه العبرة والاستبصار { مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } وما ادخرت ليوم القيامة، وتزودت للنشأة الأخرى بعدما كلفت بأنواع التكاليف، وأُمرت لإعداد زاد المعاد على وجه المبالغة، وكمال الإرشاد { وَ } بالجملة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور، واحذروا عن مخالفة أمره { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ما في ضمائر عباده { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر: 18] من خير وشر، ونفع وضر، يجازيكم على مقتضى خبرته.

{ وَ } بالجملة: { لاَ تَكُونُواْ } أيها المؤمنون { كَٱلَّذِينَ } أي: كالغافلين الذين { نَسُواْ ٱللَّهَ } أي: ذكره المستلزم للإيمان، المستلزم للمحبة والعرفان { فَأَنسَاهُمْ } سبحانه { أَنفُسَهُمْ } أي: معرفتها المستلزمة لمعرفة الحق، وبالجملة: { أُولَـٰئِكَ } البعداء عن ساحة عز الحضور { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الحشر: 19] المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ولوازم العبودية، الجاهلون بقدر الألوهية مطلقاً.

واعلموا أيها المكلفون أنه { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } منكم وملازموها، وهم الذين اقترفوا طول عمرهم من سيئات الأعمال، وذمائم الأخلاق والأوصاف ما يستحقون دخول النار { وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } وهم الذين اتصفوا بمحاسن الأعمال والأحوال، ومحامد الأخلاق والأطوار المنتجة لهم أنواع المعارف والحقائق، والمكاشفات المشاهدات الفائضة عليهم حسب استنشاقهم من نسائهم عالم اللاهوت، واسترواحهم من فواتح حضرة الرحموت، وبالجملة: { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [الحشر: 20] المفلحون المقصورون في الدرجات العليَّة، والمقامات السنيَّة مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.