* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد
اذكر لهم يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } القادر المقتدر على الإحياء والإماتة في الإبداء والإعادة { جَمِيعاً } مجتمعين، فيعاتبهم بما صدر عنهم، مثلما عاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَيَحْلِفُونَ لَهُ } أي: لله حينئذٍ على أنهم مسلمون مؤمنون { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } الآن أيها المؤمنون { وَيَحْسَبُونَ } حينئذٍ أيضاً { أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } نفع ودفع حاصل من حلفهم الكاذب، فيخيلون أنهم يروجون بالحلف الكاذب ما يدعون من الكذب على الله، كما يروجون عليكم اليوم، ولم يعلموا أن الناقد حينئذٍ بصير، والترويج إليه عيسر.
{ أَلاَ } تنبهوا أيها المؤمنون المخلصون { إِنَّهُمْ } أي: المنافقين { هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [المجادلة: 18] المقصورون على الكذب والزور، والتلبيس والغرور.
إذ { ٱسْتَحْوَذَ } أي: غلب واستولى { عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ } المضل المغوي { فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } المنقذ عن الضلال، المرشد إلى الهداية، وبالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المطرودون { حِزْبُ الشَّيْطَانِ } أي: جنوده وأتباعه { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } [المجادلة: 19] المقصورون على الخسران المؤبد، والحرمان المخلد عن ربح المعرفة واليقين؟!
أعذانا الله وعموم عباده من متابعة الشيطان المضل المغوي.
ثمَّ قال سبحانه: { إِنَّ } المفسدين المسرفين { الَّذِينَ يُحَآدُّونَ } ويعادون { ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ويعادون ويتجاوزون عن الحدود الموضوعة في الشرع بالوضع الإلهي المنزل على رسوله بالوحي والإلهام { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المجاوزون المعادون، المعدودون { فِي } زمرة { ٱلأَذَلِّينَ } [المجادلة: 20] أي: من جملة من أذله الله، وختم على قلبه، وجعل على بصره غشاوة، ولهم عذاب أليم.
وكيف لا يعد المتجاوزين من الأذلين؛ إذ { كَتَبَ ٱللَّهُ } العليم الحكيم، وأثبت في لوح قضائه بقوله: { لأَغْلِبَنَّ } ألبتة { أَنَاْ وَ } عموم { رُسُلِيۤ } المرسلين من عندي بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة على عموم المظاهر والمخلوقات، وكيف لا يغلب سبحانه على مظاهره { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { قَوِيٌّ } في ذاته، لا حول ولا قوة إلا بالله { عَزِيزٌ } [المجادلة: 21] مقتدر غالب، يغلب مطلقاً في عموم مراداته ومقدوراته؟!
ثمَّ قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير بعموم المؤمنين: { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعدّ للحساب والجزاء { يُوَآدُّونَ } أي: لا تجدهم أن يوادوا وتحاببوا { مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ } وعاداه { وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ } أي: الحادون العادون المعاندون { آبَآءَهُمْ } أي: آباء المؤمنين { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } وأقرباءهم، وذووا أرحامهم { أُوْلَـٰئِكَ } المقبولون الممتنعون عن و ودادة أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم طلباً لمرضات الله ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم { كَتَبَ } أي: أثبت ومكن سبحانه { فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } وجعله راسخاً فيها.
{ وَ } لذلك { أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ } فائض { مِّنْهُ } محيي لهم أبد الآباد؛ إذ من يُحيى بالإيمان والعرفان فقد دامت حياته، ولم يمت أبداً { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ } متنزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي: أنهار المعارف والحقائق المترشحة من بحر الحياة الأزلي الأبدي الذي هو الوجود المطلق الإلهي { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يتحولون عنها أصلاً؛ إذ { رَضِيَ ٱللَّهُ } المتجلي عليهم بالرضا { عَنْهُمْ وَرَضُواْ } أيضاً { عَنْهُ } سبحانه بالتفويض والتسليم إليه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله { حِزْبُ ٱللَّهِ } وحوامل آثار أوصافه وأسمائه الذاتية، وقوابل عموم كلياته وشئونه وتطوراته { أَلاَ } أي: تنبهوا أيه الأظلال السمتظلون بضلاله الممدودة من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات { إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [المجادلة: 22] الفائزون من لدنه بالفوز العظيم، والفضل الجسيم، والكرم العميم.