{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } لا تحزنوا بصنيع { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } بعد إيمانه وقبوله الإسلام، ولا تبالوا بشأنه { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ } من فضله ولطفه { بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ } الله ويفوقهم على الإيمان، ويوصلهم إلى مرتبة اليقين والعرفان { وَيُحِبُّونَهُ } إلى حيث بذلوا مهجهم في سبيله طوعاً ورضاً؛ إعلاء لكلمة توحيده، ونصر دين نبيه { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } تواضعاً وإخاءً { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } غلبةً واستيلاءً { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وطريق توحيده، باذلين نفوسهم فيه، طالبين رضاه { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ } ملامة { لاۤئِمٍ } مليم كهؤلاء المنافقين الذين يخافون من العلامة؛ حفظاً لجاههم ورئاستهم، وحمية لما أسروا في نفوسهم من الأهوية الباطلة. { ذٰلِكَ } الأوصاف الحميدة { فَضْلُ ٱللَّهِ } الهادي لعباده إلى فضاء توحيده { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } من أهل العناية { وَٱللَّهُ } المتفضل، المحسن لأرباب الولاء { وَاسِعٌ } في فضله وطوله { عَلِيمٌ } [المائدة: 54] على من يستحق الإفضال والإنعام. ثم لما نهى سبحانه المؤمنين عن موالاة الكفار وودادتهم، وبالغ فيه، أراد أن ينبه على من يستحق الولاية والودادة وحقيقته، فقال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ } المتولي لأموركم بالولاية العامة { وَرَسُولُهُ } النائب عنه، المستخلف له { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله، بالولاية الخاصة بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وهم { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ } يديمون { ٱلصَّلاَةَ } المقربة إلى الحق { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } المصفيَّة لبواطنهم عن التوجه نحو الغير { وَ } الحال { هُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة: 55] خاضعون في صلاتهم، نزلت في علي - كرم الله وجهه - حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته، فرمى له خامته. { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ } ويفوِّض أمره إليه، ويتخذه وكيلاً { وَرَسُولَهُ } الذي ظهر على صورته، ونزل في شأنه{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80] { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } طلباً لرضاه، فهم من حزب الله وجنوده، يحفظهم في حفظه وحمياته، ويغلبهم على من يصول إليهم { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ } القادر، المقتدر على كل ما أراد وشاء { هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [المائدة: 56] الواصلون إلى جميع مقاصدهم، بفضل الله وسعة جوده.