{ إِنَّآ } من مقام جودنا { أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ } إلى موسى، وأدرجنا { فِيهَا هُدًى } بهدي إلى الحق من ضلَّ عن طريقه { وَنُورٌ } يكشف طريق التوحيد لمن استكشف منه { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ } من أنبياء بين إسرائيل { ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } معه، وفوضوا أمورهم كلها إليه بعدما تحققوا بتوحيده { لِلَّذِينَ هَادُواْ وَ } وكذا يحكم بها { ٱلرَّبَّانِيُّونَ } المنسوبون إلى الرب بمتابعة الأنبياء، وهم الأولياء، فهم { وَ } كذا { ٱلأَحْبَارُ } المتفقهة، فهم يحكمون { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ } أي: على ما استحفظوا { شُهَدَآءَ } مستحضرين يراقبون، ويداومون على حفظه.
{ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ } أي: لا تميلوا أيها الحكام عن طريق الحق من أجل الناس المتعظمين بجاههن ورئاستهم، ولا تداهنوا في الأحكم؛ رغاية لجانبهم { وَٱخْشَوْنِ } من بطشي، وغضبي عليكم حين مخالفتكم كمي وأمري، مداهنةً { وَ } عليكم أن { لاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي } وأحكامي { ثَمَناً قَلِيلاً } من الرشى { وَ } اعلموا أن { مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي: بمقتضاه، وموافقاً له { فَأُوْلَـٰئِكَ } البعداء المداهنون، المرتشون { هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } [المائدة: 44] الساترون مقتضى الحكمة بأهويتهم الباطلة، الخارجون عن رتبة العبودية بمخالفة حكم الله وأمره.
{ وَ } من جملة الأحكام التي { كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ } القصاص، فاعلموا أيها الحكام { أَنَّ ٱلنَّفْسَ } القاتلة تقتص { بِٱلنَّفْسِ } المقتولة { وَٱلْعَيْنَ } تُفقاً { بِٱلْعَيْنِ } المفقوءة { وَٱلأَنْفَ } يُقطع { بِٱلأَنْفِ } المقطوعة { وَٱلأُذُنَ } تُصلم { بِٱلأُذُنِ } المصلومة { وَٱلسِّنَّ } تُقلغ { بِٱلسِّنِّ } المقلوعة { وَ } كذا { ٱلْجُرُوحَ } يجري فيها { قِصَاصٌ } مثلاً بمثل على قياس ما ذكر { فَمَن تَصَدَّقَ } من المستحقين { بِهِ } أي: بالقصاص، وعفا عنه طوعاً { فَهُوَ } أي: تصدقه { كَفَّارَةٌ لَّهُ } أي: لذنوبه { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ } من الأحكام؛ ميلاً وارتشاءً { فَأُوْلَـٰئِكَ } الحاكمون { هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [المائدة: 45] المتجاوزون عن مقتضى الإيمان والإطاعة والانقياد.