الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

وبالجملة: { إِنَّ ٱللَّهَ } العليم الحكيم { يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ } منتزهات من المعارف والحقائق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } الجارية من العلوم اللدنية، المنتشئة من منبع الوحدة الذاتية، تتلذذون بها تلذذاً معنوياً حقيقياً { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بوحدة الحق وكمالاته المترتبة على شئونه وتجلياته { يَتَمَتَّعُونَ } بالحطام الدنيوية ويتلذذون باللذات البهيمية { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } وتتلذذ بلا شعور لهم باللذة الأخروية { وَ } بالآخرة { ٱلنَّارُ } المعدة المسعرة صارت { مَثْوًى لَّهُمْ } [محمد: 12] ومحل قرارهم واستقرارهم.

{ وَكَأَيِّن } أي: كثيراً { مِّن قَرْيَةٍ } من القرى الهالكة { هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً } أي: أهلها، وأكثر أموالاً وأولاداً { مِّن } أهل { قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } أي: أهلها منها { أَهْلَكْنَاهُمْ } واستأصلناهم بسبب إخراجهم رسل الله من بينهم، وتكذيبهم والاستبكار عليهم { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } [محمد: 13] يظاهرهم ويدفع انتقاماً عنهم، فكذا ننتقم عن هؤلاء المشركين المستكبرين عليك يا أكمل الرسل، المخرجين لك وقومك من بينهم ظلماً وعداوناً؛ يعني: مشركي مكة - خذلهم الله - ونغلب المؤمنين عليهم، ونظهر دينك على الأديان كلها.

وكيف لا ننصرك ونظهر دينك؟ { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } حجة واضحة، آتية له { مِّن رَّبِّهِ } مبينة له امر دينه { كَمَن زُيِّنَ } أي: حبب وحسن { لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } بلا مستند عقلي أو نقلي، بل { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } [محمد: 14] بمقتضى آرائهم الباطلة وأمانيهم الزائغة الزائلة.

كلا وحاشا، بل { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } وشأنها العجيبة { ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } بها، المجتنبون عن محارم الله، المتحرزون عن مساخطه على الوجه الذي بيَّنهم الكتب وبلغهم الرسل، الممتثلون بجميع ما أمروا من عنده سبحانه إيماناً واحتساباً عند ربهم، هكذا { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ } هي: العلوم اللدنية المجيبة لهم بالحياة الأزلية الأبدية { غَيْرِ ءَاسِنٍ } أي: خالص صافٍ عن كدر التقليدات والتخمينات، الحادث عن مقتضيات القوى البشرية المنغمسة بالعلائق الجسمانية { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ } من المحبة الذوقية الإلهية، المنتشئة من الفطرية الأصلية التي فطروا عليها في بدء ظهورهم { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } وذوقه بالميل إلى الهوى، ومن مزخرفات الدنيا { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ } جذبة إلهية وشوق مفرط مسكر لهم، محير لعقولهم من غاية استغراقهم بمطالعة جمال الله وجلاله، بحيث لا يكتنه لهم وصفه بكونه من الأمور الذوقية { لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } حسب تفاوت أذواقهم ومواجيدهم { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ } هي: اليقين الحقي الذي لا شيء أحلى منه وألذ عند العرف المتحقق به { مُّصَفًّى } من شوب الإثنينية اللازمة لمرتبتي اليقين العلمي والعيني.

{ وَ } بالجملة: { لَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } المستلزمة لأنواع اللذات الروحانية، وأكبر من الكل أن لهم فيها { وَمَغْفِرَةٌ } ستر ومحو لأنانياتهم الباطلة ناشئة { مِّن رَّبِّهِمْ } الذي رباهم على الكرامة من عنده بعدما جذبهم تحت قباب عزه، ومكنهم من كنف جواره، هؤلاء المكرمون بهذه الكرامة العظمى { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } أي: كالكافر الطاغي الباغي، الذي خرج عن ربقة العبودية بمتابعة الأهوية الأمارة وأمانيها، وظهر على الحق وأهله بأنواع الإنكار والاستكبار، وبسبب هذا صار مخلداً في نار القطيعة، مؤبداً فيها لا نجاة له عنها { وَ } هم من شدة عطشهم وحرقة أكبادهم إذا استسقوا { سُقُواْ مَآءً حَمِيماً } حاراً في غاية الحرارة { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15] بعدما شربوا منه؛ وذلك لعدم الفهم واعتيادهم بالعلم اللدني وبرد اليقين العلمي والعيني والحقي.

السابقالتالي
2