وبعدما وضح محجة الحق واتضح دلائل توحيده: { وَيْلٌ } عظيم وهلائك شديد { لِّكُلِّ } مفتر كذاب { أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [الجاثية: 7] منغمس في الإثم والعدوان، مغمور في العناد والطغيان، إلى حيث: { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ } الدالة على عظمة ذاته حين { تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } مع كمال وضوحها وسطوعها { ثُمَّ يُصِرُّ } يقيم ويديم على ما هو عليه من الكفر والضلال { مُسْتَكْبِراً } بلا علة وسند سوى العناد والاستكبار، ويصير من نهاية عتوه وعناده حين يسمعها { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } اغتراراً بما عنده من الجاه والثروة، وبالجملة: { فَبَشِّرْهُ } يا أكمل الرسل على إصراره وعناده { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الجاثية: 8] في غاية الإيلام، وهو انحطاطه عن رتبة الخلافة الإنسانية؛ إذ لا عذاب عند العارف أشد من ذلك. { وَ } من نهاية استكباره واغتراره { إِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا } الدالة على ضبط الظواهر وتهذيب البواطن { شَيْئاً } أي: آية { ٱتَّخَذَهَا } وأخذها من غاية تكبره وتجبره { هُزُواً } محل استهزاء وسخرية يستهزأ بها ويتهكم عليها { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء الأفاكون الضالون، المنحرفون عن منهج الحق وصراطه { لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [الجاثية: 9] في الدنيا بإعلاء كلمة الحق وإظهار دين الإسلام على الأديان كلها. ومع تلك الإهانة العاجلة { مِّن وَرَآئِهِمْ } أي: قدامهم { جَهَنَّمُ } البعد والخذلان، وسعير الطرد والحرمان { وَ } بالجملة: { لاَ يُغْنِي } ولا يدفع { عَنْهُم } يومئذ { مَّا كَسَبُواْ } وجمعوا من الأموال والأولاد والثروة والجاه { شَيْئاً } من الدفع والإغناء من غضب الله عليهم { وَ } كذا { لاَ } ينفعهم { مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، المستقل بالإلوهية، المتفرد بالربوبية { أَوْلِيَآءَ } من الأصنام والأوثان، يدعون ولايتهم كولاية الله، ويعبدونهم كعبادته عدواناً وظلماً، بل { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [الجاثية: 10] لا عذاب أعظم منه. بالجملة: { هَـٰذَا } الذي في كتابك يا أكمل الرسل { هُدًى } يبين طريق الهداية والرشاد لأهل العناية والتوفيق { وَ } المسرفون { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ } المنزلة في كتابك هذا، والتي نزلت في الكتب السالفة { لَهُمْ عَذَابٌ } نازل ناشئ { مِّن رِّجْزٍ } غضب عظيم من الله المقتدر على أنواع الانتقام { أَلِيمٌ } [الجاثية: 11] مؤلم أشد الإيلام.