الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ وَ } بالجملة: { بَدَا } وظهر { لَهُمْ } بعدما تُبلى السرائر، وانكشفت الحجب والأستار { سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } مصرين عليه، وعرفوا وخامة عاقبته { وَ } حينئذ { حَاقَ } وأحاط { بِهِم } جزاء { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الجاثية: 33].

{ وَقِيلَ } لهم حينئذ من قبل الحق { ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } نترككم في النار خالدين { كَمَا نَسِيتُمْ } ونبذتم وراء ظهوركم { لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } بل أنكرتم لقياه، وكذبتم الرسل المبلغين لكم أخباره، المنذرين لكم من أهواله { وَ } بالجملة: { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أبداً، لا منزل لكم سواه { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [الجاثية: 34] منقذين لكم منها بعدما استوجبتم بها بمفاسد أعمالكم ومقابح أفعالكم.

{ ذَلِكُم } الذي وقعتم فيها وابتُليتم بها { بِأَنَّكُمُ } بسبب أنكم { ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ } الدالة على الرشاد والهداية { هُزُواً } محل استهزاء، واستهزأتم بها بلا مبالاة بشأنها، وأنكرتم عليها بلا تأمل وتفكر في برهانها { وَ } أيضاً بسبب أنكم { غَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } ولذاتها وشهواتها، بحيث لا تلتفتون إلى العقبى ولذاتها الأبدية، بل تنكرون عليها عناداً ومكابرة { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } أي: من النار المترتبة على ذلك الاتخاذ والغرور { وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } [الجاثية: 35] أي: لا يمكنهم أن يعتذروا عند الله، ويتداركوا ما فوتوا على أنفسهم بالتوبة والإنابة؛ إذ قد انقرض أوانه ومضى زمانه.

وبعدما ثبت أن مرجع الكل إلى الله ومحياه ومماته بيده، وله أن يثيب ويعاقب عباده على مقتضى فضله وعدله { فَلِلَّهِ } على وجه الاختصاص لا لغيره من الوسائل والأسباب العادية { ٱلْحَمْدُ } المستوجب لجمع الأثنية، والمحامد الصادرة من ألسنة ذرائر مظاهره، لكونه { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: العلويات { وَرَبِّ ٱلأَرْضِ } أي: السفليات، ورب ما يتركب منهما من الممتزجات، وبالجملة: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الجاثية: 36] أي: مربي الكل، هو بذاته علواً وسفلاً، بسيطاً ومركباً، غيباً وشهادةً.

{ وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ } والعظمة { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } تدبيراً وتصرفاً، حلاً وعقداً؛ إذ ظهور الكل من آثار أوصافه وأسمائه { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ } الغالب على عموم تدابيره وتقاديره، إرادة واختياراً { ٱلْحَكِيمُ } [الجاثية: 37] المتقن في جميع مقدوراته ومراداته على الوجه الأبلغ الأحكم.

فعليكم أيها المجبولون على فطرة العبودية والعرفان: أن تحمدوه وتكبرا ذاته، وتشكروا نعمه؛ لتؤدوا شيئاً من حقوق كرمه، إن كنتم مخصلين.

جعلنا من زمرة الحامدين المخلصين.

خاتمة السورة

عليك أيها السالك المتحقق بمقام الرضا والتسليم، المنكشف بعظمة الله وكمال كبريائه وعلو شأنه وبهائه: أن تواظب وتلازم على أداء الشكر له، ملاحظاً نعمه الفائضه المترادفة عليك، المتجددة آناً فآناً، بحيث تستغرق جميع أوقاتك وحالاتك بشكره سبحانه؛ إذ علامة العارف الواصل ألا رى في مملكة الوجود سواه سبحانه، ولا يتكلم إلا به ومعه وفيه وله، لا إله إلا هو، ولا نعبد إلا إياه.