الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } * { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } * { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } * { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } * { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } * { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ }

{ فَٱرْتَقِبْ } يا أكمل الرسل وانتظر لهم مترقباً بإلمام البلاء عليهم، بعدما أصروا على كفرهم وشركهم { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ } مظلم { مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ } [الدخان: 10-11] يحيط بهم وينزل عليهم، فيتيقنوا أن { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الدخان: 11] مؤلم ألم بهم.

فيتضرعون حينئذ نحو الحق صارخين قائلين: { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ } بفضلك وجودك { عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا } بعدما كشف عنا { مْؤْمِنُونَ } [الدخان: 12] موقنون بوحدانيتك، مصدقون بكتابك ورسولك، وذلك أن قريشاً لما بالغوا في استهزاء الرسول صلى الله عليه وسلم التهكم معه ومع ضعفاء المؤمنين، دعا عليهم صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أعني عليهم بالسبع الشداد كسبع يوسف عليه السلام " فأجاب الله دعاءه، فأخذه بالقحط، فأكلوا الميتة والجيفة، وهلك كثير منهم، فيغشاهم حينئذ دخان عظيم، يسمع كل منهم كلام صاحبه ولا يراه من ظلمة الدخان، وقالوا صارخين متضرعين: { هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } وكانوا عليه حتى جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك قدئ جئت بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا من الجهد، فدعا لهم، فكشف الله عنهم جهدهم، ومع ذلك لم يوفوا بعهدهم الذي عهدوا، ولذلك رد الله عليهم بقوله: { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي: من أين يتأتى منهم التذكر والاتعاض { وَقَدْ جَآءَهُمْ } لتكميلهم وإرشادهم { رَسُولٌ مُّبِينٌ } [الدخان: 13] ظاهر الفضل والعظمة أكمل من كل الرسل.

{ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ } مدبرين وأعرضوا عن دعوته ودينه، مصرين على ما هم عليه { وَ } لم يقتصروا على مجرد التولي والإعراض، بل { قَالُواْ } في شأنه كلاماً يليق بعلو مكانه، حيث قال بعضهم أنه: { مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } [الدخان: 14] يعلمه بعض الأعجمين مع أنه أمي، وقال البعض الآخر: أنه مجنون مخبط مختل العقل يتكلم بكلام المجانين، مع أنه أعقل الناس وأرشدهم.

ثم قال سبحانه على سبيل الإخبار والتنبيه لحبيبه صلى الله عليه وسلم بعدما دعا لهم بالكشف: { إِنَّا } من مقام عظيم جودنا معك يا أكمل الرسل { كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ } المحيط بهم بدعائك زمانا { قَلِيلاً } في دار الاختبار، إلا أنهم لم يوفوا بعهدهم الذي عهدوا معك لعراقتهم وانهماكهم في الكفر، ثم خاطبهم سبحانه مخبراً بما سيصدر عنهم فقال: { إِنَّكُمْ } وإن كشفنا العذاب عنكم أيها الضالون المكذبون { عَآئِدُونَ } [الدخان: 15] راجعون إلى كفركم وضلالكم غب الكشف والفرج، مبادرون على ما كنتم عليه.

اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي: يوم نأخذهم وننتقم عن جرائهم وآثامهم في يوم القيامة والطامة الكبرى، كيف ينقذون أنفسهم من عذابنا الذي لا مرد له حينئذ { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } [الدخان: 16] منهم ألبتة يومئذ.