{ حـمۤ } [الدخان: 1] يا حافظ حدود الله ومراقب وحيه في عموم أوقاتك وحالاتك. و { وَ } حق { ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الدخان: 2] الذي هو القرآن العظيم الذي{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42]. { إِنَّآ } من مقام عظيم جودنا { أَنزَلْنَاهُ } أي: ابتدأنا إنزاله إليك تأييداً لأمرك وتعظيماً لشأنك { فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } كثيرة الخير والبركة، هي ليلة القدر أو البراءة، وإنما أنزلناه مشتملاً على الأحكام والمواعظ والعبر والأمثال والقصص والتواريخ والرموز والإشارات المنبهة على المعارف والحقائق { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [الدخان: 3] مخوفين بإنزال ما فيه من الأوامر والنواهي الوعيدات الهائلة على من انصرف عن جادة العدالة الإلهية وانحرف عن الطريق المستبين. وإنما أنزلناه إليك في ليلتك هذه؛ إذ { فِيهَا يُفْرَقُ } يميز ويفصل عندك يا أكمل الرسل بعدما تمكنت في مقر العز والتمكين { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4] أي: محكم صادر عن محض الحكمة المتقنة الإلهية، ولهذا صار ما ذكر في كتابك هذا { أَمْراً } محكماً مبرماً نازلاً { مِّنْ عِنْدِنَآ } على مقتضى كمال علمنا وقدرتنا ووفور حكمتنا؛ ليكون هداية لك وإرشاداً لعموم عبادنا، المتابعين لك المهتدين بهدايتك { إِنَّا كُنَّا } في عموم الأوقات { مُرْسِلِينَ } [الدخان: 5] رسلاً مبشرين ومنذرين، منزلين عليهم كتباً مبينة مصلحة لأحوال عبادنا، بعدما أفسدوا على أنفسهم. وصار ذلك الإرسال والإنزال { رَحْمَةً } نازلة { مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل سنة سنية مستمرة بين عموم عباده حين ظهر الفساد فيهم، وبالجملة: أنه سبحانه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لمناجاة عباده نحوه بألسنة استعداداتهم { ٱلْعَلِيمُ } [الدخان: 6] لحاجتهم ونياتهم فيها. وكيف لا يرحمهم ولا يصلح أحوالهم مع أنه هو بذاته { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } السياق يدل على أن التفسير على قراءة: { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } على قراءة ابن عامر وغيره من الكوائن المركبة منها، يعني: مربي الكل ومظهره بالاستقلال والانفراد إن { كُنتُم مُّوقِنِينَ } [الدخان: 7] أي: من أرباب المعرفة واليقين، فاعرفوه كذلك ووقروه. إذ { لاَ إِلَـٰهَ } ولا موجود في الوجود { إِلاَّ هُوَ } بصرافة وحدته وتنزهه عن وصمة الشركة مطلقاً هو { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي: يظهر ويوجد ما يظهر، ويعدم ما يعدم، بمد ظله إليه وقبضه عنه؛ إذ هو سبحانه { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [الدخان: 8] لا مربي لكم ولهم سواه، لو تأمل عموم العباد في دلائل توحيده سبحانه، ونظروا في آيات ألوهيته وربوبيته، لعرفوا يقينا وحدة ذاته { بَلْ هُمْ } أي: أكثرهم { فِي شَكٍّ } أي: غفلة وتردد { يَلْعَبُونَ } [الدخان: 9] ويترددون في أودية الظنون والجهالات حسب آرائهم الفاسدة وأهويتهم الباطلة.