الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ وَ } بعدما ثبت أن أصل الأديان كلها هو التوحيد، وأن الأنبياء والرسل إنما جاءوا لإظهاره وتبيينه، ظهر أن الأمم الهالكة { مَا تَفَرَّقُوۤاْ } واختلفوا من مذاهبهم ومشاربهم { إِلاَّ مِن } بعدما { مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي: الوحي المشتمل على بيان التوحيد من قبل الحق على ألسنة الكتب والرسل، فتركوا مقتضى الوحي، وأنكروا عليه فاختلفوا { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي: عدواناً وظلماً وإعراضاً عن الحق وأهله، وما ظهر بينهم هذا إلا مراء وافتراء.

{ وَ } بالجملة: { لَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل، وهي إمهال انتقامهم وتأخيره { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو يوم القيامة { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } وحكم عليهم حين اختلافهم وتفرقهم إليه، فاستؤصلوا فيه بالمرة { وَإِنَّ } المختلفين المتفرقين { ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ } المنزل على أسلافهم { مِن بَعْدِهِمْ } أي: بعد انقراض أسلافهم { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } أي: من الكتاب أمثال أولئك الأسلاف الضلال { مُرِيبٍ } [الشورى: 14] موقع لهم في الريب والضلال، لذلك اختلفوا معك يا أكمل الرسل وأنكروا على كتابك ودينك.

ولو كان لهم علم بكتابهم ما ظهروا عليك، وما طعنوا في دينك وكتابك؛ إذ الإيمان بكتاب من كتب الله، ودين من أديانه، ورسول من رسله يوجب الإيمان بجميع الكتب والرسل بناء على الأصل الذي سمعت من التوحيد { فَلِذَلِكَ } الأصل الذي هو التوحيد الذاتي المسقط لعموم الإضافات والاختلافات { فَٱدْعُ } يا أكمل الرسل كل من تدعوه من المجبولين على فطرة التوحيد والإسلام { وَٱسْتَقِمْ } أنت في نفسك على جادة التوحيد { كَمَآ أُمِرْتَ } من قِبل ربك، ومكن إقدام عزمك عليها معتدلاً حنيفاً مائلاً عن كلا طرفي الإفراط والتفريط { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } أي: أهوية أصاب الخلاف والاختلاف، الضالين المترددين في أودية الجهالات وأغوار الخيلات المنافية لصفاء مشرب التوحيد.

{ وَقُلْ } يا أكمل الرسل بعد صفاء سرك وخلاء خلدك عن الأكدار الموجبة للاختلاف: { آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي: بجميع ما أنزل لله { مِن كِتَابٍ } مبين موضح لطريق الحق وتوحيده { وَ } قل بعد ذلك أيضاً إظهاراً لدعوتك إياهم: { أُمِرْتُ } من قِبل ربي { لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } وأبين لكم طريق العدالة الإلهية بمقتضى وحي الله وإلهامه إياي، فأنا مأمور بتبليغه وتبيينه إياكم وتربيتكم وتكميلكم؛ إذ { ٱللَّهُ } المدبر لأمور عموم عباده { رَبُّنَا } الذي ربانا للإرشاد والتكميل { وَرَبُّكُمْ } أراد أن يربيكم بالهداية والرشاد، وإن لم نكن مأمورين من عنده سبحانه لإهدائكم وإرشادكم ما لنا معكم.

إذ { لَنَآ أَعْمَالُنَا } أي: جزاء صالحها وفاسدها { وَلَكُمْ } أيضاً { أَعْمَالُكُمْ } كذلك؛ إذ كل منَّا ومنكم مجزي بما عمل { لاَ حُجَّةَ } أي: نزاع ولا خومة { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } بعدما بغلناكم ما أمرنا بتبليغه، وأوضحنا لكم طريق الحق، وبالجملة: { ٱللَّهُ } أي: الذات المستجمع لجميع الأسماء والصفات { يَجْمَعُ بَيْنَنَا } وبينكم، إن تعلق مشيئته بجمعنا { وَ } كيف لا يجمع بيننا سبحانه { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [الشورى: 15] أي: رجوع الكل إ ليه كما هو صدوره منه.