وكيف لا يتفضل حين الجزاء على أرباب العناية، ولا يعدل على أصحاب الغواية حين الجزاء؛ إذ { إِلَيْهِ } لا إلى غيره من أظلال الوسائل والأسباب { يُرَدُّ } ويرجع { عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي: العلم المتعلق بوقت قيامها، وكيفية ما جرى فيها من الأهوال والأفزاع؛ إذ هي من جملة الغيوب التي استأثر الله بها ولم يطلع أحداً عليها { وَ } أيضاً يرجع إلى علمه سبحانه { مَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ } أي: من أجناس الثمار مع اختلاف أنواعها وأصنافها متى تخرج { مِّنْ أَكْمَامِهَا } أي: أوعيتها التي فيها أنوارها الحاصلة منها الأثمار؛ إذ هي أيضاً من جملة الأمور الغيبية المستأثرة بها سبحانه { وَ } كذا { مَا تَحْمِلُ } وتحبل { مِنْ أُنْثَىٰ } أي: فوائد المل والحبل { وَلاَ تَضَعُ } حملها بمكان من الأمكنة { إِلاَّ بِعِلْمِهِ } سبحانه؛ إذ هو العالم لا غيره بما في الأرحام ومدة بقائه فيها وخروجه منها، لا اطلاع لأحد عليها. { وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن أشرك بالله، وأثبت الوجود لغيره والشركة في ألهويته وربوبيته عدواناً وظلماً { يَوْمَ يُنَادِيهِمْ } الله لهم حين إرادة الانتقام عنهم، موبِّخاً لهم ومقرعاً أياهم: { أَيْنَ شُرَكَآئِي } الذين تزعمون شركتهم معي وشفاعتهم عندي، أحضروهم؛ لينجوكم من عذابي ويشفعوا لكم لدي، وبعدما سمعوا النداء الهائل { قَالُوۤاْ } متأسفين متحزنين: { آذَنَّاكَ } وأعلمناك يا مولانا اليوم، وإن كنت أعلم منَّا بحالنا إنا { مَا مِنَّا } أي: ما أحد منَّا اليوم { مِن شَهِيدٍ } [فصلت: 47] يشهد على شركة شركائنا الذين ادعينا شركتهم معك ظلماً وزوراً. { وَ } بعدما تقوَّلوا ما تقوَّلوا من شدة الأسف ونهاية الحسرة والضجرة { ضَلَّ } وغاب { عَنْهُم } وخف عن أبصارهم وبصائرهم { مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ } ويعبدون إليه { مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ } بل تيقنوا حينئذ { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [فصلت: 48] مهرب ومخلِّص من عذاب الله، فتندموا وما ينفعهم الندم، ورجعوا إلى الله حينئذ وما يفيدهم الرجوع؛ لانقضاء مدة التدارك والاختبار. ومن العادة القديمة والديدنة المستمرة أنه { لاَّ يَسْأَمُ } أي: لا يمل ولا يفتر { ٱلإِنْسَانُ } المجبول على جلب الإحسان { مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ } لنفسه وجذب المنفعة إلى ذاته حريصاً عليها، مولعاً لاقتنائها وجمعها { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ } وعرض عليه الضر حيناً من الأحيان { فَيَئُوسٌ } من قدرة الله على دفع الضر عنه، نوجلب النفع إياه بعدما أزال عنه ابتلاء { قَنُوطٌ } [فصلت: 49] من فض الله عليه وسعة رحمته وجوده. { وَ } من غاية يأسه وقنوطه عن مقتضى فضلنا وجودنا { لَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً } ووفرناها عليه؛ بحيث تسري في جميع أجزائها مع كونها تفضلاً { مِّنَّا } بلا اقتراف { مِن } جانبه سوى أنه { بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } لحقته أوائلها؛ إذ المساس يحصل بمجرد الملاقاة { لَيَقُولَنَّ } معرضاً عن الله: { هَـٰذَا لِي } وأنا أستحق بها لاحتمال الشدائد ولكمال فضلي وعلمي، أو هذا لي بمقتضى ذاتي { وَ } بالجملة: { مَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ } الموهومة الموعودة { قَآئِمَةً } أتية { وَلَئِن } فرضت وقوعها وقيامها على الوجه الذي زعم الرسل المدعون، ونطقت الكتب المزورة المفترية { رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ } كما زعموا { إِنَّ لِي } أي: ثبت وتحقق لي { عِندَهُ } سبحانه { لَلْحُسْنَىٰ } أي: الحالة التي هي أحسن الحالات وأكمر الكرامات؛ لاستحقاقي بها واقتضاء ذاتي: إياها، وإنما يقول ما يقول استهزاءً وتهكماً.