الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

ثم قال سبحانه تذكيراً لما هم عليه عن ارتكاب المعاصي توبيخاً لهم وتقريعاً: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي: لم تكونوا مسرين مستترين عند ارتكاب الفواحش والمحظورات مخافة { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } عند الله في يوم الجزاء؛ لإنكاركم به، بل إنما تشترون وتكتمون معاصيكم وقبائحكم مخافة فضاحتكم واشتهاركم بين الناس بالمذام { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ } بالله ظن السوء، وهو { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لسرائر الأمور وخفاياتها { لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22] في خلواتكم، لذلك اجترأتم على اقتراف المعاصي والآثام المحرمات.

{ وَذَلِكُمْ } أي: هذا الذي نسبتم إلى الله بقولهم هذا { ظَنُّكُمُ } السوء، وزعمكم الفاسد { ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ } العليم الخبير بجميع ما صدر عنكم، وهذا { أَرْدَاكُمْ } وأهلككم في تيه الجهل والضلال، وبعدما فوَّتم على أنفسكم أسباب السعادة والهداية، واخترتم بدلها ما يوجب الشقاوة والضلال { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ } زمرة { ٱلُخَاسِرِينَ } [فصلت: 23] وانقلبتم صاغرين مهانين، وصرتم في النار خالدين.

وبعدما دخلوا في النار المسعرة بأنواع المذلة والهوان { فَإِن يَصْبِرُواْ } على فوحاتها والتهاباتها الشديدة { فَٱلنَّارُ مَثْوًى } منزلاً { لَّهُمْ } أبداً، لا نجاة لهم منها أصلاً { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } ويبثوا الشكوى والعتبى، ويظهروا الكآبة وعدم الطاقة { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [فصلت: 24] المجابين بإزالة العتبى والشكوى، بل كلما أظهروا العتاب ضوعف لهم العذاب.

{ وَ } كيف يزال عتابهم، ولا يضاعف عليهم عذابهم؛ إذ قد { قَيَّضْنَا } وقدرنا { لَهُمْ } فيما هم عليه من الكفر والشقاق، وأنواع الفسوق والنفاق { قُرَنَآءَ } أخداناً وإخواناً من الشياطين يوحون إليهم ما يبعدهم عن الحق وأهله { فَزَيَّنُواْ لَهُم } وحسَّنوا لطباعهم { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من اتباع الشهوات، واركتاب المناهي والمحظورات { وَ } إنكار { مَا خَلْفَهُمْ } من الأمور الأخروية مواعيدها وموعوداتها.

{ وَ } سبب ارتكاب المعاصي وإصفاؤهم، قول قرنائهم { حَقَّ } وثبت { عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } وكلمة العذاب المؤبد منَّا، وليس هذا مخصوص بقوم دون قوم بل جرت سنتا كذلك { فِيۤ } كل { أُمَمٍ } مفسدة مشركة { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهِمْ } أي: قبل هؤلاء المشركين المسرفين سواء أكانوا { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } أي: المكلفين منها، وإنما استحقوا العذاب المؤبد والنكال المخلد بسبب { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [فصلت: 25] خسراناً مبيناً؛ لاستبدالهم أسباب السعادة والهداية بالشقاوة والضلال.