الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

وكيف يستنكفون ويستكبرون عن عبادة الفاعل على الإطلاق، والمنعم بالاستقلال والاستحقاق مع أنه { ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد، المتصف بصفات الكمال ونعوت الجلال والجمال، هو { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } مظلماً بارداً { لِتَسْكُنُواْ } وتستريحوا بلا ضرر وإضرار { فِيهِ } جعل لكم { وَ } لتكتسبوا فيه معايشكم، وتجمعوا حوائجكم { ٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } المنعم المكرم على عباده { إِنَّ ٱللَّهَ } عظيم وكرامة كاملة شاملة { لَذُو فَضْلٍ } عموم { عَلَى } المجبولين على النسيان والكفران { ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [غافر: 61] نعمه، ولا يواظبون على أداء حقوق كرمه، جهلاً منهم بالله، وعناداً مع رسله الهادين إليه.

{ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ } الذي أفاض عليكم موائد بره وإحسانه، وأظهر عليكم مقتضيات ألوهيته وربوبيته { رَبُّكُمْ } الذي رباكم بأنواع اللطف والكرم، بعدما أوجدكم من كتم العدم؛ إذ هو { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ومظهره من العدم إظهاراً إبداعياً بمقتضى اختياره واستقلاله، فلكم أن تتوجهوا إليه وتتحنثوا نحوه مخصلين؛ إذ { لاَّ إِلَـٰهَ } يعبد له بالاستحقاق، ويرجع إليه في الخطول على الإطلاق { إِلاَّ هُوَ } الذات الواحدة الموصوفة بالصفات الكاملة، المربية لجميع ما في الكون من العكوس والأظلال المنعكسة منها { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [غافر: 62] وتنصرفون عن عبادته أيها الآفكون المنصرفون؟!.

فأين تذهبون من بابه أيها الذاهبون الجاهلون، ما لكم كيف تحكمون أيها الضالون المحرومون؟! { كَذَلِكَ } أي: مثل ما سمعت من المجادلة والمكابرة بلا برهان واضح وبيان لائح { يُؤْفَكُ } ويصرف عن طريق الحق عموم المسرفين { ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } ودلائل توحيده { يَجْحَدُونَ } [غافر: 63] وينكرون بلا تأمل وتدبر؛ لينكشف لهم ما فيها من المعارف والحقائق المودعة فيها، فكيف تجحدون بآيات الحكيم العليم أيها الجاحدون الجاهلون، مع أنه سبحانه هو المتفرد بالألوهية والربوبية؟!.

إذ { ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد { ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ } أي: عالم الطبيعة والهيولي { قَـرَاراً } تستقرون عليها بمقتضى هويتكم { وَ } رفع لكم { ٱلسَّمَآءَ } أي: عالم الأسماء والصفات { بِنَـآءً } أي: سقفاً محفوظاً رفيعاً، تستفيضون منها الكمالات اللائقة لاستعداداتكم وقابلياتكم الموهوبة لكم من عنده { وَ } بالجملة: { صَوَّرَكُـمْ } من آباء العلويات وأمهات السفليات { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } بأن خلقكم على أعدل الأمزجة وأحسن التقويم؛ لتكونوا قابلين لائقين لخلافة الحق ونيابته.

{ وَ } بعدما صوركم فأحسن صوركم { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } الصورية والمعنوية تقوية وتقويماً لأشباحكم وأرواحكم { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ } الذي سمعتم نبذاً من أوصافه الكاملة ونعمه الشاملة { رَبُّكُـمْ } الذي أظهركم من كتم العدم بمقتضى لطفه، فأنَّى تصرفون عنه وعن توحيده وعبادته أيها المسرفون الضالون، مع ألاَّ رب لكم سواه؟! { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد، العلي ذاته، الجلي بحسب أسمائه وصفاته { رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [غافر: 64] على الإطلاق بالاستقلال والاستحقاق لا يعرضه زوال، ولا يطرأ له انقراض واتقال.

بل { هُوَ ٱلْحَيُّ } الأزلي الأبدي الدائم، المستغني عن مقدار الزمان ومكيال المكان مطلقاً { لاَ إِلَـٰهَ } في الوجود سواه، ولا موجود يعبد بالحق { إِلاَّ هُوَ } وبعدما سمعتم أيها المكلفون خواص أسمائه وصفاته سبحانه { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ } واعبدوه مخصصين { لَهُ ٱلدِّينَ } أي: العبادة والانقياد؛ إذ لا مستحق للإطاعة والعبادة سواه، وبعدما رجعتم نحوه مخلصلين، وعبدتم له مخصصين، قولوا بلسان الجمع: { ٱلْحَـمْدُ } المستوعب لجميع المحامد الناشئة من ألسنة عموم المظاهر ثابت { للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [غافر: 65] لانفراده في الألوهية، واستقلاله في الربوبية بلا توهم الشركة والمظاهرة.