الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } * { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

ثم قال سبحانه تسلية لحبيبه، وتوطيناً له على تحمل أعباء الرسالة الجالبة لأنواع المكروهات من النفوس المجبولة على الشقاوة والضلال والتبصر على أذياتهم: { وَ } الله { لَقَدْ آتَيْنَا } من كمال فضلنا وجودنا أخاك { مُوسَى } الكليم { ٱلْهُدَىٰ } أي: الشرائع والمعجزات الدالة على كمال الهداية والإرشاد إلى سبيل الرشاد والسداد { وَ } بعد انقراض موسى { أَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } [غافر: 53] أي: التوراة المنزلة عليه.

وأبقيناها بينهم؛ لتكون { هُدًى } هادياً إلى ما هداهم موسى من الأمور الدينية { وَذِكْرَىٰ } أي: عظة وتذكيراً يتذكرون به إلى ما يرمون من المقاصد الدينية والمعالم اليقينية، لا لكل أحد من العوام، بل { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [غافر: 54] الألباء المستكشفين عن سائر الأمور الدينية بمقضتى العقول المستقيمة المفاضة لهم من المبدأ الفياض.

ومع ذلك سمعت يا أكمل الرسل قصص أولئك الهالكين في تيه العتو والعناد، وما جرى بينهم وبين الرسل المبعوثين إليهم من التجار، والتنازع المفضي إلى أذى الأنبياء العظام والرسل الكرام، فصبروا على أذاهم إلى أن ظفروا عليهم بنصر الله إياهم وإعلاء دينه المنزل عليهم من عنده سبحانه.

{ فَٱصْبِرْ } أنت أيضاً يا أكمل الرسل على ما أصابك من أذيات هؤلاء الجهلة المستكبرين المعاندين معك، وانتظر إلى ما وعدك الحق من النصر والظفر وإعلاء دين الإسلام، وإظهاره على الأديان كلها { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } العليم القدير الحكيم الخبير { حَقٌّ } ثابت محقق إنجازه ووفاؤه، إلا أنه مرهون بوقته، فيسنصرك ويغلبك على أعدائك عن قريب، ويبقى آثار هدايتك وإرشادك بين أوليائك إلى النشأة الأخرى { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } أي: اشتغل في عموم أوقاتك بالاستغفار لفرطاتك؛ ليكون استغفارك هذا سنة سنية منك لأمتك { وَسَبِّحْ } أيضاً { بِحَمْدِ رَبِّكَ } في جميع حالاتك وأوقاتك؛ إذ كل نفس من أنفاسك يستلزم شكراً منك، سيما { بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } [غافر: 55] أي: في أول النهار وأواخره؛ إذ هما وقتان خاليان عن تزاحم الأشغال وتفاقم الآمال، وبالجملة: كن مع ربك في جميع أحوالك وأطوارك، يكفي مؤنة جميع من عاداك وعاندك.

ثم قال سبحانه: { إِنَّ } المشركين المعاندين { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ } ويخاصمون معك يا أكمل الرسل { فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } المنزلة عليك لتأييد دينك وشأنك على سبيل المكابرة والعناد { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ } أي: حجة وبرهان { أَتَاهُمْ } وفاض عليهم من ربهم على طريق الوحي والإلهام { إِن فِي صُدُورِهِمْ } أي: ما في صدورهم وضمائرهم شيء يبعثهم على المجادلة { إِلاَّ كِبْرٌ } وخيلاء مركوز في جبلتهم، تقية لثروتهم ورئاستهم على زعمهم الفاسد، مع أنه { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } على مقتضى ما جبلوا في نفوسهم؛ إذ هم سيغلبون عن قريب في هذه النشأة الأولى، ويحشرون إلى جنهم البعد والخذلان في الأخرى { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } القوي القادر، والتجئ إليه سبحانه عن غدر كل غادر { إِنَّـهُ } سبحانه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [غافر: 56] بنياتهم وأفعالهم، يكفيك مؤنة ما يقصدون عليك بمقتضى آرائهم الباطلة.