الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ }

ثم أشار سبحانه إلى تفضيح من كفر بالله، وكذَّب بما نزل من عنده من الأوامر والنواهي الجارية بمقتضى وحيه على ألسنة رسله وكتبه في النشأة الأولى، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وأنكروا بوحدة ذاته وسريان وجوده الواحداني الذاتي على جميع مظاهر الكائنات حسب شئون الأسماء والصفات، بأن أشركوا فيه سبحانه، وأثبتوا وجوداً لغيره، وادعوا ترتب الآثار عليه { يُنَادَوْنَ } في الطامة الكبرى، والنشأة الأخرى حين ظهر الحق، واستقر على مقر العز والتمكين، وانقهر الباطل الزاهق الزائل، واضمحل التلون والتخمين { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } أي: طرده وتحريمه لكم اليوم { أَكْبَرُ } وأفظع { مِن مَّقْتِكُمْ } وتحريمكم { أَنفُسَكُـمْ } من موائد لطفه وإحسانه سبحانه.

وذلك { إِذْ تُدْعَوْنَ } أي: وقت دعوة الأنبياء والرسل إياكم بإذن الله ووحيه { إِلَى ٱلإِيمَانِ } به سبحانه وبتوحيده { فَتَكْفُرُونَ } [غافر: 10] حينئذ، وتسترون شروق شمس ذاته بغيوم هوياتكم الباطلة جهلاً وعناداً، بل تشركون له غيره في الألوهية والوجود، وتعبدون له كعبادته سبحانه.

وبعدما سمعوا ما سمعوا من النداء الهائل المهول { قَالُواْ } بلسان استعداداته متحسرين متضرعين: { رَبَّنَآ } يا من ربانا على فطرة معرفتك وتوحيدك، فكرناك وأشركنا بك غيرك، قد ظهر لنا اليوم حقية ما ورد علينا من قبل بعدما { أَمَتَّنَا } وافنيتنا في هوتك مرتين { ٱثْنَتَيْنِ } مرة في النشأة الأولى بانقضاء الأجل المقدرمن عندك، ومرة في النشأة الأخرى بعد النفحة { وَ } كذا { أَحْيَيْتَنَا } وأبقيتنا ببقائك مرتين { ٱثْنَتَيْنِ } مرة عند حشرنا من أجداث طبائعنا، ومرة بعد النفخة الثانية للعرض والجزاء.

وبعدما لاح علينا من دلائل توحيدك وكمال قدرتك ما لاح { فَٱعْتَرَفْنَا } الآن { بِذُنُوبِنَا } التي صدرت عنَّا من غاية غفلتنا وجهلنا بك وبقدرتك، ووحدة ذاتك واستقلالك في آثارك الصادرة عنك { فَهَلْ } لنا اليوم مجال { إِلَىٰ خُرُوجٍ } من عذابك الذي أعددت لنا بمقتضى عدلك حسب جرائمنا وآثمانا { مِّن سَبِيلٍ } [غافر: 11] إلى الخلاص والنجاة منه.

ثم بعدما تضرعوا من شدة هولهم وفظاعة أمرهم ما تضرعوا، نودوا من وراء سرادقات القهر والجلال: { ذَلِكُم } أي: العذاب الذي أنتم فيه { بِأَنَّهُ } أي: بسبب أنه { إِذَا دُعِيَ } وذكر { ٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { وَحْدَهُ } أي: على صرافة وحدته، واستغنائه عن العالم وما فيه { كَـفَرْتُمْ } وأنكرتم وجوده وكمال أوصافه وأسمائه، وكذبتم رسله المبعوثين إليكم للتبليغ والتبيين { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } ويثبت له شركاء { تُؤْمِنُواْ } وتقروا بالشركاء، وتعتقدوا وجودها، وتصدقوا من تفوه بها { فَٱلْحُكْمُ } المحكم والقضاء الحتم المبرم الآن { للَّهِ } المنزه ذاته عن أن يتردد فيه أو يشرك { ٱلْعَلِـيِّ } الغني شأنه عن إيمان المؤمن وكفر الكافر { ٱلْكَبِيرِ } [غافر: 12] المتعال وحدة ذاته عن أن يحوم حوله إقدام الإقرار والإنكار.

وكيف تنكرون له سبحانه، وتشركون فيه مع أنه سبحانه { هُوَ } الله الكامل في الألوهية والربوبية { ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدة ذاته { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: سماء الأسماء المربية لكم من لدنه { رِزْقاً } صورياً ومعنوياً تتميماً لتربيتكم وتكميلكم { وَمَا يَتَذَكَّرُ } ويتعظ منكم بآياته { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } [غافر: 13] إليه، ويرجع نحوه طالباً الترقي من حضيض التقليد والتخمين إلى ذروة التحقيق واليقين.

السابقالتالي
2