{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } من الكفار { يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ } بإظهار الهدنة والمحبة والاستسلام { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } عن شركم وقتالكم، هم أعداء لكم لا تغفلوا عنهم وعن هجومهم بغتة؛ إذ هم { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } إلى الكفر والعداوة { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } وعادوا إليها وصاروا على ما كانوا، بل أشد منه { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } إظهاراً لودادتكم { وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } تخديعاً وتأميناً { وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } عن قتالكم تغريراً لكم حتى يتهيئوا أسبابهم { فَخُذُوهُمْ } وأسروهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } حيث وجدتموهم في داركم أو دارهم { وَأُوْلَـٰئِكُمْ } المغرورون بخداعهم { جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ } على أخذهم وقتلهم { سُلْطَاناً مُّبِيناً } [النساء: 91] حجة واضحة، فعليكم ألاَّ تعبئوا بدعواهم، ولا تغتروا بصلحهم وكفهم، وإلقائهم السلم؛ إذ هم من غاية بغضهم معكم يريدون أن يخدعوكم وينتهزوا الفرصة لمقتكم.
{ وَمَا كَانَ } أي: ما صح وجاز { لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } لا قصداً واختياراً مطلقاً { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي: لزم عليه شرعاً تحرير رقبة متصفة بالإيمان، محكومة به؛ ليكون كفارة مسقطة لحق الله { وَ } لزم عليه أيضاً { دِيَةٌ } كاملة { مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } ورثته الذين يرثون منه حفظاً لحقوقهم، وجبراً لما انكسر من قلوبهم { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي: يسقطوا حقوقهم متصدقين { فَإِن كَانَ } المقتول { مِن } عداد { قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ } عداوة بينة { وَهُوَ } أي: المقتول { مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي: فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة فقط، إذ لا مواساة مع أهله، ولا وراثة لهم منه { وَإِن كَانَ } المؤمن المقتول { مِن قَوْمٍ } ذوي ذمة { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } عهد وثيق { فَدِيَةٌ } أي: فاللازم حينئذ دية كاملة { مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ } حفظاً للميثاق ومواساة معهم رجاء أن يؤمنوا؛ إذ سر المواثيق والعهود الواقعة بين أهل الإيمان والكفر إنما هو المواسة والمداراة معهم ملاطفة؛ رجاء أن يرغبوا بالإيما طوعاً { وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } لإسقاط حق الله وجبر ما انكسر من حدوده { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } رقبة مملوكة ولا ما يتوصل به إلأيها { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } فعليه أن يصوم شهرين كاملين على التوالي بلا فصل كسراً لما جرأه على هذا الخطأ، وليكون { تَوْبَةً } مقبولة عند الله مكفرة لخطئه ناشئة { مِّنَ } خوف { ٱللَّهِ } وخشيته لاجترائه على تخريب بيته { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع بصمائر عباده { عَلِيماً } بحاله وقت إنابته ورجوعه { حَكِيماً } [النساء: 92] فيما أمره وحكم عليه لإزالة ما عليه وما صدر عنه.