الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } * { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

وبمقتضى توحيده سبحانه وقهره، وإظهار كمالات المندمجة في وحدة ذاته باعتبار شئونه وتطوراته اللازمة للحي الأزلي الأبدي { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي: قدر وأعد الأسماء الذاتية الفعالى، المنعكسة من شئونه الذاتية والأوصاف القابلة المنفعلة من تلك الأسماء المظهرة لآثارها ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع، ولا ينبغي أن يرتاب فيه أحد بعدما انكشف بسرائر الوجود والتوحيد حسب الود الإلهي، وبمقتضى هذا الازدواج المعنوي الجاري بين الأوصاف والأسماء الإلهية { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } أي: يغشي ويغيب سبحانه على وجه التلفيف والتخليط أضواء الأسماء والصفات بظلام الهيولي والتعينات في النشأة الأولى، فكذلك يغطي ويغيب في النشأة الأخرى حجب الطبائع وأظلال الهويات بأشعة أنوار الذات المنتشئة منها، بمقتضى الشئون والتطورات المثبتة للأسماء والصفات الإلهية.

{ وَ } بعدما كمل أمر الظهور والإظهار، وانبسط على عروش ما ظهر وبطن بالاستيلاء والاستقلال { سَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ } أي: جذب وقبض نحوه سبحانه بمقتضى الجاذبة المعنوية الحبية الكاملة الوجود المطلق، الفائض على هياكل الموجودات المنعكسة من الأسماء والصفات الإلهية { وَٱلْقَمَرَ } أي: الهويات القابلة لانعكاس شمس الذات المستخلفة عنها، إظهاراً لكمال قدرته ومتانة حكمته؛ لذلك { كُـلٌّ } من كل أهل العناية { يَجْرِي } يكون ويدوم في مكانه ومكانته من التعينات موقوف { لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } أي: إلى حلول أجل معين مقدر من عند ربه بمقتضى جذبه وعنايته، فإذا حل الأجل، انقطع الجري والسير وارتفع السلوك.

{ أَلا } أي تنبهوا أيها الأظلال الهالكة في شمس الذات { هُوَ } أي: الموصوف بهذه الصفات الكاملة { ٱلْعَزِيزُ } المنيع ساحة عز ذاته عن أن يحوم حول سرادقات عزه وجلاله بإدراك العقول المتحيرة والأوهام المدهوشة، لكنه { ٱلْغَفَّارُ } [الزمر: 5] الستَّار لغيوم تعيناتكم بإشراق شمس الذات، وانقهار جميع ما لمع عليه نور الوجود على مقتضى جلاله وتفرده في نعوت كماله.

{ خَلَقَكُمْ } أي: أظهركم وأوجدكم بالتجليات الجمالية { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهي طبيعة العدم القابلة لانعكاس أشعبة نور الوجود { ثُمَّ جَعَلَ } وإظهر { مِنْهَا زَوْجَهَا } إبقاءً للتناسل، وتتميماً للأزدواجات الغير المتناهية حسب الأسماء والصفات المتقابلة، الغير المتناهية الإلهية، إظهاراً لكمال القدرة.

{ وَ } بعدما أتم سبحانه أمر إيجادكم وإثباتكم { أَنزَلَ لَكُمْ } أي: قسَّم وقضى لأجلكم تتميماً لأمور معاشكم عناية منه وتكريماً { مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } المناسبة لتغذيتكم وتقوية أمزجتكم { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } ذكراً وأنثى على مقتضى جبلتكم لتدوم بدوامكم، وهي الأصناف الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، هذا في ظهوركم وبروزكم في عالم الشهادة، وفي عالم الغيب والبطون { يَخْلُقُكُمْ } ويقدر موادكم { فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } أي: تقديراً بعد تقدير أعجب وأغرب من سابقه؛ بأن قدركم أولاً نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم سواك إنساناً، ونفخ فيكم روحاً من روحه، وبالجملة: أظهركم بعدما أخفاكم مدة { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } هي أصلاب آبائكم وحجب تعيناتكم وبطون أمهاتكم.

{ ذَٰلِكُمُ } الذي فعل بكم هذه الأفعال الجميلة المتقنة { ٱللَّهُ } المستقل بالألوهية والتصرف في ملكه وملكوته { رَبُّكُمْ } الذي رباكم وأحسن تربيتكم لا مربي لكم سواه؛ إذ { لَهُ ٱلْمُلْكُ } الملكوت خاصة لا يشارك في ملكه، ولا ينازع في سلطانه وشأنه، فظهر أنه { لاۤ إِلَـٰهَ } يعبد له ويرجع إليه في الخطوب { إِلاَّ هُوَ } الواحد الأحد الصمد الحقيق بالحقية، المستحق بالألوهية والربوبية { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [الزمر: 6] وتعدلون أيها المشركون المنحرفون عن جادة توحيده.