{ قُلْ } لهم أيضاً على سبيل التوبيخ والتهديد: { يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ } وحالكم ما شئتم من الأعمال { إِنِّي عَامِلٌ } أيضاً على مكانتي وحالي { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الزمر: 39] مآل ما يعلمون وغايته. واعلموا أن { مَن يَأْتِيهِ } منَّا ومنكم { عَذَابٌ يُخْزِيهِ } ويرديه في الدنيا { وَ } هو دليل على أنه { يَحِلُّ } وينزل { عَلَيْهِ } في الآخرة { عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [الزمر: 40] دائم مؤبد، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، ونحن نتربص أيضاً. ثم قال سبحانه على وجه التأديب لحبيبه: { إِنَّآ } من مقام عظيم جودنا { أَنزَلْنَا عَلَيْكَ } يا أكمل الرسل { ٱلْكِتَابَ } الجامع المشتمل على عموم مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم؛ لتكون هادياً { لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ } مبلغاً إياهم جميع ما فيه من الوعد والوعيد { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ } ووفق على قبول ما فيه من الأوامر والنواهي { فَلِنَفْسِهِ } أي: نفع هدايته واهتدائه عائد إلى نفسه { وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } كذلك { وَ } بعدما وضع الأمر لديك، لا تتعب نفسك في إهدائهم؛ إذ { مَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } [الزمر: 41] ضمين لإهدائهم وتكميلهم، بل ما عليك إلا البلاغ، وعلينا الحساب. وكيف لا يكون حساب العباد على الله، ولا يكون في قبضة قدرته؛ إذ { ٱللَّهُ } المستوي على عروش ما ظهر وبطن بالاستيلاء التام والقدرة الكاملة الشاملة { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } ويقطع إمداده بالحياة عليها بمقتضى النفس الرحماني { حِينَ مَوْتِـهَا } أي حين تعلق إرادته سبحانه بقطع علقة عنها، وإرجاعها إلى ما كانت عليه من العدم { وَ } كذا تتوفى الأنفس { ٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ } أي: لم تحكم عليها بقطع العلقة والإمداد عنها { فِي مَنَامِـهَا } أي: يفصل عنها ما هو مبدأ الآثار والأفعال، وما يترتب عليه التمييز والشعور، ويبقى رمق منه عنها { فَيُمْسِكُ } ويقبض سبحانه بعد الفصل والتوفي الانفس { ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } في لوح قضائه وحضرة علمه { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } أي: يعيدها إلى أبدانها، ويمهلها { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } معين مقدر عنده؛ الإمداد والارتباط. وعن المرتضى الأكبر كرم الله وجهه: يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد، فبذلك يرى الرؤيا، فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة. ولهذا قيل: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فتتعارف ما شاء الله، فإذا أرادت الرجوع إلى الأجساد، أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها. وبه ورد الحديث صولات الله على قائله: " إذا أوى أحدكم إلى فِراشه فَلْيَنفُض فِرَاشه بِدَاخِلَةٍ إِزَارِهِ، فَإِنه لا يَدْري ما خَلفَه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وَضَعْتُ جنبي، وبك أرفعُهُ، إنْ اَمْسكْتَ نَفْسي فأرْحَمْها، وإنْ أَرْسَلتَها فَاحْفَظْها بما تَحْفطُ به عبادَك الصالحين ". { إِنَّ فِي ذَلِكَ } التوفي والفصل، والإمساك والإرسال { لآيَاتٍ } دلائل واضحات وشواهد لا ئحات على قدرة الصانع الحكيم القدير العليم { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر: 42] في مقدوراته سبحانه، ويشاهدون آثار قدرته عليها.