الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } * { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ }

وبعدما أنظره سبحانه وأنجح مسئوله { قَالَ } إبليس مقسماً مبالغاً في التهديد لبني آدم: { فَبِعِزَّتِكَ } وجلالك { لأُغْوِيَنَّهُمْ } أي: لأضلنَّ بني آدم عن جادة التوحيد { أَجْمَعِينَ } [ص: 82] إذ لا يسع لهم أن يسدوا مداخلي فيهم، وطرق مخادعتي إياهم.

{ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 83] وهم الموقنون المخلصون، الذين أخلصوا في عموم أعمالهم وأحوالهم معك، واعتصموا بحبل توفيقك، راجعين رحمتك وضوانك، هاربين من سخطك بلا ميل لهم إلى ما يلهيهم عن ربهم.

{ قَالَ } سبحانه في جوابه إظهاراً لكمال الاستغناء والقدرة { فَٱلْحَقُّ } ما قلت لك في هذه النشأة يا معلون، من الطرد والتبعيد، وإنظارك فيما بينهم للاختبار والاعتبار { وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } [ص: 84] أي: أقول الحق أيضاً فيما يترتب على إغوائك وإغرائك إياهم، واتباعهم لك، وما يترتب على متابعتهم في النشاة الأخرى.

وهو هذا: والله { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } المشتملة على الأودية السبعة، المملوءة من نار الخذلان والحرمان، المعدة لأصحاب الشقاوة الأزلية من المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية، الضالين عن صراطه السوي { مِنكَ } أي: من جنسك الذي هم من الجن { وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } أي: من جنس الإنس { أَجْمَعِينَ } [ص: 85] تابعاً ومتبوعاً، ضالاً ومضلاً.

{ قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما بلغت ما يوحى إليك من الحق الصريح على وجهه بلا خلط وخبط وزيادة ونقصان كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة والعدالة: { مَآ أَسْأَلُكُمْ } أيها المكلفون { عَلَيْهِ } أي: على تبليغي إياكم ما أُمرت بتبليغه { مِنْ أَجْرٍ } أي: جعل ومال على عادة أصحاب التلبيس من المتشيخين، اللذين هم من أعونة إبليس وأنصاره { وَمَآ أَنَآ } أيضاً { مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86] المتصفين بخصائل ليست فيهم على سبيل التلبيس والتدليس.

بل { إِنْ هُوَ } أي: ما هذا القرآن المنزل علي { إِلاَّ ذِكْرٌ } أي: عظة وتذكير { لِّلْعَالَمِينَ } [ص: 87] من الثقلين المكلفين بالهداية والإيمان والتوحيد والعرفان.

{ وَلَتَعْلَمُنَّ } أيها المتذكرون بتذكيراته، والمعرضون عنها { نَبَأَهُ } أي: صدق إخباره ومواعيده ووعيداته، وما يترتب عليها وعلى قصصه وأحكامه، وما ينكشف من حكمه ورموزه وإشارته { بَعْدَ حِينِ } [ص: 88] أي: بعد انخلاعكم عن لوازم ناسوتكم، واتصافكم بخلع اللاهوت في النشأة الأخرى، حين تُبلى السرائر، وتُكشف الضمائر، وترتفع الجب والأستار، فاعتبروا الآن يا أولي الأبصار، وذوي الاعتبار ما فيه من السرائر والأسرار.

خاتمة السورة

عليك أيها السائلك المتأمل في مرموزات القرآن، والمتدبر في درك إشاراته الخفية تحت أستار ألفاظه وأحكامه المتعلقة لتهذيب الظاهر والباطن، وتصفية السر عن التوجه نحو الغير مطلقاً، أن تعرف أولاً ما في نفسك من أعونة الشيطان وجنوده الأمارة بالسوء، المزعجة لك إلى قبول مأموراتها المقتضية للبعد عن جادة العدالة التوحيدية الإلهية، التي هي صراط الله الأقوم، وتجاهد معها مهما أمكنك وأعانك الحق ووفقك لتسخيرها إلى أن صارت مغلوبة لك مقهورة تحت قهرك، حسبما يسر الله ووفقك على غلبته.

ثم بعد ذلك نبع من صدرك ينابيع الحكمة المترشحة من بحر الوحدة الذاتية، وجرى على لسانك ما أراد الله جريه وشاء، بعدما أفناك عنك، وأبقاك ببقائه، وصار سبحانه قلبك وسمعك وبصرك وجميع قواك، وحينئذ اجتامع الفرق، وارتبق الفتق، واتحد الظهور والبطون، وانطوى الأزل والأبد، واتصل الأول والآخر والظاهر والباطن.

وبالجملة: هو بكل شيء عليم ليس كمثله شيء ولا معه حي، وهو الحي القيوم السميع العليم.