الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

{ وَ } بعدما كرمناه بتشريف خلعة الخلافة { وَهَبْنَا لِدَاوُودَ } ولداً خلفاً عنه، وارثاً لملكه وخلافته، محيياً اسمه ومراسم دينه ومعالم ملته؛ يعني: { سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } سليمان؛ لأنه مقبول عندنا، مقرب من حضرتنا، مكرم لدينا، وكيف يكون كذلك { إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 30] رجَّاع إلينا، ملتجئ نحونا في عموم الأوقات وشمول الحالات على وجه الخلوص والتفويض التام.

اذكر يا أكمل الرسل كمال رجوعه وإخلاصه في وقت { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ } وهو مشمر إلى الغزو ومهيّئ لأسبابه، متمكن على كرسيه لضبط العسكر وآلات القتال بالعشي { ٱلصَّافِنَاتُ } من الخيل، وهي التي تدور سريعاً كالرحى على طرف حافر من حوافره، إن أراد الركاب تدويره، وهي من أكمل أوصاف الخيل وأحمدها عند أصحاب القتال؛ لأن المبارز كثيراً ما يحتاج إلى تدوير فرسه يوم الوغى { ٱلْجِيَادُ } [ص: 31] سريعة الجري والعدو.

وذلك أنه جلس على كرسيه يوماً بعدما فرغ من ورده في الظهيرة؛ لإعداد أسباب الغزو والقتال الذي قصد أن يخرج إليه يومئذ، فأمر بعرض الخيول عليه، فأشغله الالتفات والتجه نحو الخيول عن ورد عصره، فتذكر والشمس قد غربت، فاغتم غمّاً شديداً، وتحزَّن تحزناً بليغاً إلى حيث لم يطرأ عليه مثله.

{ فَقَالَ } من شد’ أسفه وضجرته متأوهاً لائماً على نفسه: { إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ } الخيل { حُبَّ ٱلْخَيْرِ } أي: كحب الخير والتوجه المقرب إلى الله، لذلك ألهاني { عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ } الشمس { بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32] وفات عني وردي الذي كا نقبل الغروب.

وبعدما وقع ما وقع من الغفلة، تسارع إلى التدارك والتلافي، فأخذ يقطع عرق الباعث إلى الإلهاء والإغفال، فقال للشرطة: { رُدُّوهَا } أي: الصافنات { عَلَيَّ } وكُرّوها إليّ، فأعدوها معرضين ثانياً { فَطَفِقَ } سليمان، وأخذ السيف الصارم بيده، يمسح ويمضي { مَسْحاً } وإمضاء ملاصقاً { بِٱلسُّوقِ } وهي جمع: ساق { وَٱلأَعْنَاقِ } [ص: 33] يعني: أخذ بقطع قوائمها ورءوسها، ليزول حبها عن قلبه، ويتصدق بها طلباً لمرضاة ربه، وجبراً لما انكسر من ورده.

وعن المرتضى المجتبى - كرم الله وجهه -: أن الضمير في { رُدُّوهَا } راجع إلى الشمس؛ يعني: أمر سليمان الموكلين على الشمس بإذن الله ووحيه أياه، أن يردوا الشمس بعدما غربت؛ ليأتي سليمان بورده، فأتى بما أتى، وذلك من كمال كرم الله معه.

{ وَ } مع كونه مقبولاً عندنا ممدوحاً لدينا { لَقَدْ فَتَنَّا } وابتلينا { سُلَيْمَانَ } بفتنة عظيمة، وأخذنا منه ملكه بجريمة صدرت من أهل بيته بأدنى ملابسة له ورضا من جانبه.

وذلك أنه عليه السلام غزا " صيدون " من الجزائر، فقتل ملكها فأصاب ابنته اسمها جرادة، وهي من أجمل النساء وأحسنها شكلاً، فأعجب سليمان بحسنها وخصها لنفسه، وهي أحب عليه من سائر نسائه، وكانت من شدة حزنها وكآبتها على أبيها لا يرقى دمعها، ولا يزال همها، فأمر عليه السلام الشياطين فمثل لها صورة أبيها، فكانت تغدو إليها و تروح مع ولائدها يسجدون لها، على ما هي عادتها في حياته وملكه.

السابقالتالي
2 3