الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } * { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } * { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } الذنب بعدما أخلص في الإنابة والرجوع إلينا، بل جميع ذنوبه التي صدرت عنه { وَ } كيف لا نغفر { إِنَّ لَهُ } أي: لداوود عليه السلام { عِندَنَا } وفي ساحة قربتنا وعزتنا { لَزُلْفَىٰ } لقربة ومنزلة رفيعة { وَحُسْنَ مَـآبٍ } [ص: 25] أي: خير مرجع ومنقلب من مقامات القرب ودرجات الوصول.

وأسر في ابتلاء الله إياه أنه لما رأى في كتب التواريخ أوصاف أسلافه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أضمر في نفسه أن يؤتى له مثل ما أتى إياهم من الخير الحسنى، فأوحى إليه أنهم قد ابتلوا فصبروا، فأعطي لهم ما أعطي فقال داود عليه السلام: يا رب لو ابتليت لصبرت أيضاً مثلهم، فأوحى أنك تُبتلى في شهر كذا في يوم كذا فاستحفظ الأوقات.

فلما جاء الموعد دخل محرابه وأغلق الباب على نفسه، فجاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب في غاية الحسن والبهاء ووقعت بين رجليه، فأراد أخذها؛ ليُري بني إسرائيل عجائب صنع الله وبدائع قدرته، فطارت وجلست في كوة هناك فأراد أخذها فذهبت فنظر من الكوة فإذا هو بامرأة حسناء من أجمل النساء تغتسل فتعجب منها، فالتفت وأبصرت ظله فنفضت شعرها، فغطى جميع بدنها، فازداد داوود عجباً فوق العجب.

وبالجملة: قد ابتلي عليه السلام بمحبة تلك المرأة، وكان عمره حينئذ سعبين سنة، فسأل عنها، فقيل: هي امرأة أوريا بن حنان، فأوجس في نفسه قتله ليتزوج امرأته، وكان أوريا حينئذ مع ابن أخت داود في جيش، فأرسل إلى ابن أخته أن يقدم أوريا قدام التابوت، وكان من عادته من يقدمه قدام التابوت لا يحل له الرجوع حتى يُفتح أو يُقتل، فقدمه ففتح، فأمره أن يقدمه إلى أخرى، فقدمه ففتح أيضاً، ثم أمر أن يقدمه ثالثاً، فقدمه إلى جيش عظيم فقتل.

وبعدما انقضت عدة امرأته تزوجها داود عليه السلام، وهي أم سليمان عليه السلام، فعاتبه سبحانه بما عاتبه، فاستغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب، والعهدة على الراوي، وأنكر بعضهم هذه القصة؛ لأن الأنبياء معصومون عن أمثاله.

وعن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -: من تحدث بحديث داوود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وهي حد الفرية على الأنبياء، والعلم عند الله.

ثم لما عاتب سبحانه داود عليه السلام بما عاتب، وقبل توبته بعدما اتسغفر وأناب، أراد سبحانه من كمال خلوصه في توبته رجوعه نحو الحق عن صميم طويته أن يشرفه بخلعة الخلافة، فقال منادياً له، إظهاراً لكمال اللطف والكرم معه: { يٰدَاوُودُ } المتأثر عن عتبنا، التائب إلينا، المنيب نحونا عن محض الندم والإخلاص { إِنَّا } بعدما طهرناك عن لوث بشريتك، وغفرنا لك ما طرأ عليه من لوازم هويتك ولواحق ناسوتك { جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الكون والفساد، وأنواع الفتن والعناد، فلك أن تستخلف عليها نيابة عنَّا.

السابقالتالي
2