الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

إذ { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } مع كمال قوتهم وقدرتهم نوحاً، فأغرقناهم أجمعين بالطوفان { وَعَادٌ } مع نهاية عتوهم وعنادههم هوداً، وأهلكناهم بالريح العاصفة { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } [ص: 12] أي: صاحب الدولة الثابتة التي ادعى بسببها الألوهية لنفسه موسى، فأغرقناهم وجنودهم في اليم.

{ وَثَمُودُ } المتناهي في القوة والشدة صالحاً، فأهكلناهم بالصيحة { وَقَوْمُ لُوطٍ } المتبالغ في الجحود والإنكار على الله وحدوده لوطاً، فقبلنا عليهم ديارهم، وأمطرنا عليهم الحجارة فأهلكناهم بها { وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ } شعيباً، فاستأصلناهم كذلك { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المنحرفون عن صوب السداد والصواب هم { ٱلأَحْزَابُ } [الأحزاب: 13] الذين كذبوا الرسل، وتحزبوا عليهم، وقاتلوا معهم مع كونهم أشداء أقوياء، فانهزموا عنهم بنصرنا إياهم، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغري.

وبالجملة: { إِن كُلٌّ } أي: ما كل من الأمم السالفة المذكورة { إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } المذكورين { فَحَقَّ } أي: لذلك لزم ولحق عليهم { عِقَابِ } [ص: 14] أي: أنواع عذابي ونكالي عاجلاً وآجلاً.

{ وَمَا يَنظُرُ } وينتظر { هَـٰؤُلآءِ } المعاندون معك، المنكرون لدينك، المكذبون لرسالتك وكتابك { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } ينفخها إسرافيل في الصور بإذن منَّا فيسمع هؤلاء الضالون، فيموتون على الفور بلا توقف؛ إذ { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } [ص: 15] قرار وقوف مقدار خروج النفس ورجوعه.

وهكذا كناية عن سرعة نفوذ قضاء الله، حين حلول عذابه عليهم إلى حيث لا يسع فيه تمييز التقدم والتأخر أصلاً، بل ينزل بغتة.

{ وَ } بعدما سمع كفار مكة أوصاف أهوال يوم الجزاء، وافتراق الناس فيها فرقاً وأحزاباً، بعضهم أصحاب يمين، وبعضهم أصحاب شمال، فيُعطى لكل فرد كتاباً كُتب فيه أعمالهم الصالحة والفاسدة، فيُحاسب كل على أعماله، فيُجازى على وفقها { قَالُواْ } مستهزئين متهكمين؛ يعني: أهل مكة بعدما سمعوا أهوال يوم الجزاء وأفزاعها: { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } أي: صحيفة أعمالنا، وقسطنا من العذاب المترتب عليها { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ص: 16] ونحن نرضى بها وبالعذاب المترتب عليها بلا حساب.

وبعدما قالوا كذلك، واستهزءوا مع الرسول، وضحكوا من قوله، ونسبوه إلى الخبط والجنون، أمر سبحانه حبيبه بالتصبر على مقاساة ما جاءوا به مما لا يليق بشأنه، فقال: { ٱصْبِر } يا أكمل الرسل { عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } لك، وفي شأنك أولئك الجاهلون عناداً أو مكابرة، ولا تلتفت إلى هذياناتهم، ولا تحزن من أباطيلهم والمستهجنة، فعليك يا أكمل الرسل أن توطن نفسك على الصبر المأمور، ولا تتجاوز عن مقتضاه، ولا تتعب نفسك بالقلق والاضطراب والمجادلة معهم والمخاصمة إياهم إلى أن نكف عنك شرورهم، ولا تفلتفت إلى هواجس نفسك، حتى لا تقع في محل الخطاب والعتاب { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } وما جرى عليه من العتاب الإلهي من عدم حفظه نفسه عن مقتضيات ومشتهياتها حتى ابتلاه الله سبحانه بما ابتلي مع أنه { ذَا ٱلأَيْدِ } أي: صاحب القدرة والقوة في الحفظ وحفظ النفس عن محارم الله ومنهياته، وكيف لا يكون كذلك { إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17] رجَّاع إلى الله وإلى مرضاته سبحانه في جميع حالاته.

السابقالتالي
2