ثم أخذ سبحانه في تعداد أهل الضلال الجاحدين على الرسل المنذرين بعدما أجمل فقال: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } حين أردنا إهلاك قومه بالطوفان نداء مؤمل ضريع لاستخلاصه واستخلاص من آمن معه من قومه، فأجبناه { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } [الصافات: 75] نحن لأوليائنا المخلصين. { وَ } لهذا { نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } أي: من آمن معه { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [الصافات: 76] أي: من الغم الذي لحقه دائماً من أذى قومه وضربهم عليه، ومن أنواع زجرهم وشتمهم، أو من كرب الطوفان. { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ } أي: من تناسل منه ومن أبنائه { هُمُ ٱلْبَاقِينَ } [الصافات: 77] إلى قيام الساعة. روي أنه مات من بعدما نزل من السفينة من كان معه من المؤمنين، ولم يبق إلا هو وبنوه وأزواجهم، فتناسلوا إلى انقراض الدنيا، كما قال سبحانه { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ } أي: أبقينا عليه ذكراً جميلاً، وثناء جزيلاً { فِي ٱلآخِرِينَ } [الصافات: 78] أي: في الأمم المتخلفة منهم، يذكرونه بالخير، ويقولون تكريماً له وترحيباً: { سَلاَمٌ } أي: تسليم وتكريم من الله ومن خواص عباده { عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 79] أي: في النشأة الأولى والأخرى. { إِنَّا } بمقتضى لطفنا وجدونا لخلص عبادنا { كَذَلِكَ } أي: مثل ما جزينا نوحاً على إحسانه وإخلاصه { نَجْزِي } جميع { ٱلْمُحْسِنِينَ } [الصافات: 80] من عبادنا، لو أنابوا إلينا، وتوجهوا نحونا على وجه الإخلاص. وكيف لا نبقي له ذكراً جميلاً ولا نجزيه جزاء جزيلاً؟! { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الصافات: 81] الموقنين بتوحيدنا، المتوكلين علينا، المفوضين أمورهم إلينا، المخلصين فيما جاءوا به من الأعمال والأفعال. { ثُمَّ } إنَّا بمقتضى لطفنا فعلنا معه ما فعلنا من الإنعام والإحسان، ونجيناه من كرب الطوفان { أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } [الصافات: 82] أي: كفار قومه بها، واستأصلناهم إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض، سوى أصحاب السفينة وأشياعه المؤمنين معه، ومن تشعب وتناسل منهم.