{ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل { مِنَ ٱلْكِتَابِ } الجامع لما في الكتب السالفة، الحاوي لمعظمات أصول الدين { هُوَ ٱلْحَقُّ } المنزل من عندنا، المثبت في حضرة علمنا { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } وما يقدم عليه من الكتب والصحف المنزَّلة من عندنا، المبيِّنة لحكمنا وأحكامنا { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ } أي: مطلع لجميع أحوالهم الظاهرة والباطنة حتى استعداداتهم وقابلياتهم { بَصِيرٌ } [فاطر: 31] بما جرى وسيجري عليهم في أولاهم وأخراهم. { ثُمَّ } بعدما اصطفيناك يا أكمل الرسل بالرسالة العامة، وأيدنا أمرك بإنزال القرآن المعجز، الموجز، المشتمل لجميع فوائد الكتب السماوية مع زيادات خلت عنها الكل { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } المنزل إليك، وأبقيناه بعدك بين القوم { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } واخترناهم بإرسالك إليهم وبعثتك بينهم، فجعلناهم في اقتباس نور الهداية والتوحيد من مشكاة النبوة، والرسالة الختمية المحمدية، الحاوية لمراتب جميع الرسل الذين مضوا قبله صلى الله عليه وسلم أصنافاً ثلاثة: { فَمِنْهُمْ } من كمال شوقه إلى مبدئهم الأصلي وغاية تحننهم نحو الفطرية الجبلية التي فطر الناس عليها في بدء الأمر { ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } البشرية، بحيث يمنع عنها جميع حظوظها النفسانية ومقتضيات قواها الجسمانية إلى حيث اتصل بعضهم من كمال احتماء نفسه عن متقضياتها البهيمية بالملأ الأعلى قبل انقراض النشأة الاولى، وهم شطار الأولياء الذين صرفوا همهم بالوصول إلى مبدئهم الأصلي ومنزلهم الحقيقي. { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } معتدل، مائل عن كلا طرفي الإفراط والتفريط، بحيث لا يمنع نفسه عن ضرورياتها والمقومة لها ولا يكثرها عليها، بل يمنعها عن الزيادة على الضروري في عموم الحوائج، وبالجملة: يقتصد في الأعمال والأفعال والأقوال وجميع الأحوال، وهم الأبرار من الأولياء { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } مواظب على الطاعات، مشمر دائماً بالأعمال الصالحات وفواضل الصدقات، والإنفاق على طلب المرضاة للفقرءا والمهاجرين في سبيل الله، المنصرفين عن الدنيا وما فيها { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } وعلى مقتضى ما ثبت في كتابه ونطق به لسان رسوله، وهم الأخيار المحسنون من الأولياء { ذَلِكَ } الإيراث والتوريث والإعطاء والاصطفاء { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [فاطر: 32] من الله إياهم في أولاهم، والفوز العظيم، والنوال الكريم لهم في أخراهم. جعلنا الله من خدامهم ومحبيهم، ومقتفي أثرهم. ومن جملة فضل الله إياهم في أخراهم: { جَنَّاتُ عَدْنٍ } معدة لهم نزلاً ومنزلاً من عند الله { يَدْخُلُونَهَا } فريحن مسرورين آمنين فائزين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } تزييناً وتفضلاً { مِنْ أَسَاوِرَ } جزاء ما اقترفوا بأيديهم من الحسنات { مِن ذَهَبٍ } خالص مقابلة إخلاصهم في أعمالهم { وَلُؤْلُؤاً } أي: يحلون أيضاً من أنواع اللآلئ بدل ما يتقون نفوسهم من الميل إليها في نشأتهم الأولى { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [فاطر: 33] بدل ما يلبسون من الخشن في طريق المجاهدة والسلوك نحو الحق في النشأة الأولى.